عبد الحافظ الصمدي
لظى الاشتياق
الأحد 15 نوفمبر 2020 الساعة 14:00

في هذا الظلام الملبد بالحنين يستبد بي الشوق ويعبث بي طيف خيالك..

ها أنت تقعد محاذاة السرير، تأتيني تارة كالشغف الذي يسبق القُـبلة، كالنشوة التي بها تُختتم طقوس الاحتضان، وتارة كشهقة الموت وأخرى كالهول الذي يسبق الطعنة القاتلة..

لم أكن أدرك ضعفي أمام غيابك ولم يك في الحسبان أني سأتشظى اشتياقاً حين أقاوم هذا الارتعاش الذي ينتابني منذ رحيلك..

كل شيء هنا متشبث بك حد تجسيد الحضور، يحتفظ ببعض منك، يتماهى معك ويلملم بقايا حضورك ويرفض التخلي عن كل هذا الجنون..

حرارة همسك تلامس شحمة أذني.. رائحتك تملأ الأمكنة، حتى المخدة لا زالت تحتفظ برائحة السذاب المختمر على خديك.. فكيف لي أن أنام وهذا السرير رعب يصرصر في الفراغ المخيف، يحرّم على الليل أن يغفوَ ويغتال في عيناي المنام..

أحيا انتظار قدومك كل يوم وإن كنت على يقين بزيف الأمنيات، وأن الغرفة التي سأخلد للنوم فيها ستصبح قبراً بدونك..

يأتي الغروب محملاً برذاذ ذكراك الموجعة.. الظلام يوقظ ثورة من حنين وملعقة الشاي تسحبني الى قعر سقط فيه القلب لهثاً وراءك؛ حين تتبدى صورتك في فنجان يقاسمني الشرود المرير وقد أخذني طيف خيالك قبل أن أحتسيه وتركني بجواره كومة تجسد حضور مسافر على بساط التيه.. لا فرق بيني وبين فنجاني حتى يتغلغل فيه الصقيع وتستفحل في النفس الكآبة..

غطاؤك ما عاد يدفيني ولا مهاتفتك ليلاً سوف تنسيني آلام الغياب، حتى رسائلك الغبية لن تقهر هذا العذاب..

لرشفاتي نغم ممزوج ببوحك وكأس النبيذ لم يعد بطعم فمك.. ولفافة التبغ تنفث دخاناً يلوِّح أمام وجهي بكفك وحروفك تصيبني كـ"وابل" من نار يهتز على إثره الوجدان وتنتفض الكوامن لتشعل سكوني شغباً وأنيناً..

أرهقني هذا الغياب الممتد كسرب الحنين إليك ورائحة ملابسك ما عادت تطفئ لظى الاشتياق، وما عاد لصورك المعلقة جدوى في تجسيد الحضور ولا لرائحة البُن ذلك الاشتهاء الذي كان يغريني حين تكون جواري..

فهلّا عُدت لتنتشلني من هذا الضجيج الذي يعصف بمنزل كنت له الأنس والضياء فحوله البُعاد الى وكر للأشباح..

وطني كله صار بعدك مرعوباً، مرتعشاً.. وكل شيء فيه يناصبني العداء؛ نخيله مشانق، خمائله جحيم.. ومآذنه تشعل نار الخصام في كل زاوية.. فاحزم حقائبك علَك تتدارك إنقاذي..