عبد الكريم المدي
عن أمي " غالية " .. بمداد قلبي ووجعي النازف أكتب
الاثنين 13 سبتمبر 2021 الساعة 21:03

عن أمي التي أعتقد أن قلبها قال لمهجتي التي فاضت وبكت في لحظة طلبها لمن حولها بأن يغطوها بالبطانية رافعة سبابتها اليمني للأعلى معلنة آخر كلام وعهد لها بالدنيا مرددة " الله..الله..أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله"

 : عبدالكريم : " ابن قلبي.. سامحتُك مسحتُ لك كل زلة وتقصير...حبيبي أنا أسمعُ صوتكَ المتهدّج المكسور طوال الليل والنهار وهو يتحشرج ويغيب وأنت معي في كل ثانية وأنا مستعدّة  فيها للعبور نحو الخلود الأسمى والأجمل مستودعة آخر عناقيد قلبي لدى مليكٍ مقتدر وحافظ حفيظ لا تضيع عنده الودائع..
عبدالكريم،  وعدتني بلقاء قريب في عدن ..قلبي تفردس وروحي أزهرتْ وزرع نفسي أهتزّ وربى، وها هو يصفر ويتحول إلى حطام وفراق أبدي وأنا بعيدة عنك"

أماااه صوت في أعماقي يقول لكِ الآن:
لقد حُرمتُ من ذلك عجزتُ ، فشلت في الوفاء بوعدي والله ، وها أنا أسقطُ مغشيا عليّ حينما رأيتُ أمام عيني تراجيديا وفصول رحيلكِ المبكي ومحطات غيابكِ التي مزّقتني إربا إربا.
رأيتُ جسدكِ المسجّى في آخر مشهد لكِ في الحياة الذي لا ندب ولا ضربة فأس تُعلّم وتترك أثرها في الروح والقلب والحياة أعظم وأقسى وأكثر وحشة وعِبرة وعَبرة أكثر منها.

أرجوكم ..دعوني أسرد وجع دهري:
أعترف اللحظة بينما صوتي يغيب وهو تارة يحفرُ في أعماق طينة الفؤاد بؤره بقوة وألم،  وأخرى يحضرُ شاجّا صدري وحلقي الذي صار جافّا.
نعم  وعدتها - غالية القلب -  ووعدتُ ملك الفؤاد أبي محمد بلقاء في عدن، لكن كل شيىء وأشياء حالت دون ذلك..

لن أقول لكم واصلوا النزف مع قلبي، بل أقول لنبضي فلنتضامن معا وننزف اليوم وغدا  معا.. 
أماااه " غالية" يا رجع مناجاتي ومدده ومداه ..  وأنت في ليلتكِ الثانية عند الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين تزهرين في عالم آخر ، والله،  أني شختُ من جديد  بعدكِ وبعد أبي محمد ، توزعتُ في كل منافي الأحزان بدونكما، صرتُ يتيما بعدكما يحتسي الوجع ووحشية الفراق والغربة والغياب..
أماااه أقسم أني أتخيلكِ وأراكِ في القبر ملكة الوجود وأميرة الوفاء وسندس الجنة وأزهارها..رأيتكِ في الساعة الوحيدة التي نمتها منذُ أيام،  وأنت ترضعيني الصبر وتضعين في يدي ثلاث قلوب من كاذي رماع وسوق مدينة الشرق والثلوث.

لا أستطيع تفسير هذا الحلم ولا أجيد وصف هذه المواقف والأحلام ولا إجتراح معاني مفهومة ومعقولة للعواطف والأحلام والمشاعر الإنسانية والروحانية في لحظات كهذه.

أمي... أنا متعب وحزين وضعيف جدا بعدكِ ويا له من بُعدٍ وبُعادٍ وإبتعاد ، كربتي تمتدُّ من أول شفق صبح في عالمنا لآخر شفق غروب في هذا الوجود كُلّه ..حزني يمتد منّي إلى " الميبارة" حيث وُضِعَ جسدُك الطاهر جوار جسدي أبي العظيم.
آمااااه ، يا لوحشتي وغُربتي بعدكِ ويا لهذا العمر الذي سأكمله بدون صوتكِ ودعواتكِ..!
 من سيقول لي هذا المساء :" يا غُدرتي لبعدك يا عبدالكريم، الله يضوي طريقك ويبعد عنك كل شر وظالم وكاره "؟

مَنْ ..ومَنْ.. ومَنْ سيعبق أيامي بعدكِ بهذا الزاد الذي لا يفنى وأنتِ تقولين  : " الله يرزقك ويحفظك ويحميك وينصرك"؟
هذا الكنز الذي كان مفتاح خزائنه بيدكِ فقطّ،  بعد الله ، من سيمتلكه اليوم وغدا ويهبني بعضا من ذهبه ومرجانه ونفائسه وراحته وطمأنينه؟

غالية قلبي وضوء حياتي ومهجة روحي رضعتكِ حياة وأملاً وصبراً ورجولة وعاطفة وحنانا ، واليوم أرضع غيابكِ وجعاً وحسرة وفراقا وحزن.
غالية .. أنا يتيم ، حزين ، وحيد ، أي قلب بعدكِ ستُفتحُ له أبواب سماوات الرضا  وهو يدعو لي؟
 أي روح بعدكِ تصعد مناجاتها وهي تنفذُ أقطار السماوات، تدق باب العرش والرحمة  لأجلي؟

أماااه .. لم أعد أدرك الكثير أو أترجم صدمات الأبتلاء وامتحان الفقد الذي تعجز كل لغة على ترجمته وكل قلب على إستيعابه وكل قدرة إنسان على تجاوزه وكل ظروف وتصاريف حياة على تعويضه.
" غالية "  قلبي ووجع عمري وصوت أملي وقوتي وإرعاد قوتي وحياتها وحيويتها ..أثق بأن سر وقاموس دعائك الذي كان يلهج به لسانكٍ في سبيل صغيركِ سيرافقني وسينجيني حتى أقابلكِ عند خالق الموت والحياة واللهو والخلود.
أسأل الله أن يكرم نُزلكِ ويوسع مدخلكِ أنت وأبي الحبيب محمد ويجمعنا بكما في رحابه وفردوسه الأعلى.. والحمد لله..