أنور العنسي
أيوب .. الصوت الخاص والنشيد الخالد!
الاثنين 20 سبتمبر 2021 الساعة 18:21

لا يهم أي وصفِ آخر لأيوب طارش أكثر من أنه الفنان الحر، النداء الحار، ترنيمة الحزن، الذي كوَّنت أغانيه وجدان أجيال من شباب وشابات اليمن.

وقفت في صباي أياماً عدة ببنطال الكشافة القصير أمام طابور المدرسة الصباحي أردد أنشودته (دمدت يا سبتمبر التحرير) ويردد من بعدي زملائي بقية أبياتها.

إذا تجاوزنا هذه المحطة فقد كان الملمح الأهم في تجربة أيوب هي علاقته الإبداعية (الخاصة) بالشاعر الكبير الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان.. كانت أكثر من مجرد علاقة بين شاعر عظيم وفنان مبدع، بل ما يشبه حلماً كبيراً بيمنٍ متحضرٍ، متمدنٍ، ويتسع للجميع.

في قصائد (الفضول) الوطنية والغزلية ما أعتقد أنها حملت في طياتها ألحانها، موسيقاها الداخلية التي لم تستغرق من أيوب الكثير من العناء، لكنها أصبحت أغانيه التي يشتهر بها أكثر مما يشتهر بها مؤلفها وصاحبها.. الفضول.

لا أعتقد أن (الفضول) شعر بالغيرة يوماً طالما أن الرسالة وصلت، وأن الفكرة اتضحت، فالشاعر الكبير في النهاية صاحب رسالة، وما دام هناك حاملٌ للرسالة فلا مشكلة لديه، هذا ما قاله لي الفضول ساخراً في القاهرة، وأضاف عليه قوله "إترك الصرمحة في القاهرة، إرجع بلادك ووفِّر القرشين اللي في جيبك للزواج أو لشراء قطعة أرض تبني عليها بيتاً لمستقبك"!. 

عندما أوكلت إلي مهمة تنظيم حفل فنيٍ خلال الأسبوع الثقافي اليمني في تونس في ثمانينيات القرن الماضي رأيت أن أجعل من اطلالة أيوب على الجمهور أن تكون الأخيرة، مسك الختام، وذروة السنام، لكنني شعرت أن الرجل كان متضايقاً للغاية، حاولت إفهامه أن الجمهور لا يزال في تزايد، وأنه مع توقيت ظهوره سيكون تعداد الحاضرين أكبر بكثير مما كان في بداية الاحتفال، وذلك بحكم ما أعرفه عن ولع التونسيين بحفلات الغناء وأمسيات الشعر وجلسات السمر، لكنه كان غير مرتاح بل ومرتاب تماماً.

لم أفهم سبباً لذلك مما اضطرني إلى تقديم فقرته، وأعتقد أنه شعر بعد ذلك بالندم عندما شاهد القاعة في نهاية الاحتفال تغص بالحاضرين الجالسين على مقاعدهم والواقفين بلا مقاعد وهم يستمعون إلى فنانين أقل منه شأناً..

في سيرته الغنائية الحافلة ما يجعله فخوراً بما قدمه في حياته، ليس فقط من شعر (الفضول) كملحمته التي تحولت إلى نشيدٍ وطني (رددي أيتها الدنيا نشيدي) بل كرائعته (لقاء الأحبة) من شعر إبراهيم الحضراني أو (وا طاير أمغرب) تلك القصيدة ذي اللهجة شبه التهامية الصعبة للشاعر على عبدالرحمن جحاف، أو أغنية (مطر .. مطر) للشاعر حسن الشرفي، وكذا في إعادته أداء أغنية القممدان (سامحني وانا با اتوب).

ما يحزن في حكاية أيوب هو الخذلان الذي تعرض له خلال معاناته مع المرض في السنوات الأخيرة حيث اصبحت استعانته ببعض محبي فنه من رجال الأعمال أكثر من عون الدولة له، وما بيخفف منها هو وقوف الناس إلى جانبه،  لقد كان أفضل حالاً، أكثر من سواه من فنانين كثيرين واجهوا المرض والجوع والعوز لوحدهم، من دون دولةٍ، وبلا ناس!

من صفحة الكاتب على فيس بوك