عبد القادر هلال... المحبوب بحجم وطن!
الاثنين 10 اكتوبر 2016 الساعة 17:27
الرأي برس - عربي

هو الـ"هلال"، وله من اسمه نصيب، لطيف ظريف، أنيق نظيف، ذو ابتسامة هادئة، و"كاريزما" من نوع خاص، أكسبته شعبية كبيرة بين أوساط مواطنيه، موالين ومعارضين، شماليّين وجنوبيّين. إذا تحدّث أنصت الجميع، و إذا أطلّ في مجلس عام وقفوا احتراماً، وعجّت القاعة بالتصفيق، حتّى بحضور رئيس الدولة ذاته.


عبدالقادر علي هلال عبد الله بن عبد الله أحمد عبد الله حسين أحمد الدبب، أبو حَسن، من مواليد قرية ربد في مديرية سنحان بمحافظة صنعاء، متزوّج، وله من الأبناء عشرة، بنين وبنات.


عاش حالماً بمشروع الدولة المدنية الحديثة، ورحل من أجله. رجل التنمية والنهضة كان مهووساً بالتجربة الماليزية، فاستضاف وفداً من تلك البلاد في حضرموت ذات مرّة منصتاً، وعقد معه جلسة مباحثات بينية، في محاولة لمحاكاة التجربة، يمنيّاً. عشق حضرموت من خلال مدرسة أبي بكر سالم بلفقيه، فأصبح محافظاً لها لسبع سنوات، استقبل خلالها بلفقيه مرّتين. سنوات كانت حافلة بالعطاء والجدّ والعمل، وغرس الأمل في تربة الأرض الطيّبة، حبّاً وكرامة.


الشاب اليتيم
لم يكن الشاب عبد القادر يدرك أنّه سيتجرّع مرارة اليتم مبكراً بعد رحيل أبيه، بيد أن عهده لطيف أبيه "العلّامة" ألزمه بأن يكون رجلاً مختلفاً، وحدا به لإكمال الدراسة الجامعية في كلّية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء العام 1984م. ومن بوّابة كلّية الحقوق، دلف رجل القانون إلى أروقة كلّية الشرطة في صنعاء، ليتخرّج منها ضابطاً بدرجة امتياز.


امتياز أهّله، بعدها بسنوات، لمنصب "عُمدة" لمديريّتي ماوية في محافظة تعز، ودمت في محافظة إب، ما بين عامَي 1986 و1987م، ثم وكيلاً ومحافظاً لمحافظة إب العام 1994م، قبل أن ينتقل لمنصب محافظ كبرى محافظات اليمن، حضرموت، العام 2001م، ليُعيّن بعدها وزيراً للإدارة المحلّية، في مارس العام 2007 م، وحتّى تقديم استقالته من الوزارة في العام 2008م، على خلفية خلاف مع الرئيس الأسبق، على عبد الله صالح، الذي أعاد له الإعتبار بتعيينه في منصب شرفي كوزير للدولة، وعضو في مجلس الوزراء عام 2010 م.


محافظاً لحضرموت
عُيّن عبد القادر هلال محافظاً لحضرموت، في أبريل من العام 2001م، خلفاً لصالح عبّاد الخولاني، المحافظ الأسبق المعيّن منذ العام 1994م. وهما المحافظان الوحيدان اللذان استمرّت فترة إدارتهما لدفّة الأمور في حضرموت لسنوات طويلة.


الإنتخابات النيابية
شكّلت الإنتخابات النيابية العام 2003م التحدّي الأكبر أمام هلال، كمحافظ جديد لحضرموت، وقيادي "مؤتمري"، لكن الرجل استطاع بنجاح حسم التنافس الشديد بين "المؤتمر" و"الإصلاح" على الدوائر الإنتخابية في حضرموت، لصالح "المؤتمر" في عدد كبير من مديريّات المحافظة، خصوصاً الساحلية منها. نجاح راق كثيراً الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، الذي كان حريصاً على عدم خفوت نجمه ونجم حزبه في المحافظات الجنوبية، وبالأخصّ بحضرموت، عقب توسّعاته العسكرية في الجنوب إبّان حرب صيف العام 1994، لذا أبقى على هلال كشخصية مقبولة، حظيت بشعبية كبيرة في أوساط الأهالي في حضرموت، لم يحظ بها محافظ شمالي قبله ولا بعده.


التنمية
وتُعدّ فترة حكم هلال لحضرموت من أكثر الصفحات المشرقة في سجل الرجل، الذي كان قريباً من خطّ المدنية منه إلى العسكرية، حيث اتّسمت بالإهتمام بمشاريع التنمية والبناء، على مستويات شقّ الطرقات وبناء المدارس والعناية بالبنية التحتية على مختلف الأصعدة. إذ استطاع تُعدّ فترة حكم هلال لحضرموت من أكثر الصفحات المشرقة في سجل الرجلالرجل إدارة الموارد المحلّية واستغلالها لصالح المحافظة، من جهة، وانتزاع الكثير من استحقاقات المحافظة المالية الواقعة تحت هيمنة المركز في صنعاء، من ناحية أخرى. ساعدته في ذلك عوامل كثيرة، أهمّها قربه من مركز القرار، وعلاقاته السياسية والإجتماعية الواسعة، التي تُضاف إلى ما يتمتّع به من مهارات قيادية وسلوك حسن، جعلت منه شخصية لا يختلف عليها اثنان، فاستطاع جذب العديد من الإستثمارات الخاصّة لبيوتات تجارية مرموقة من المغتربين الحضارم واليمنيّين. وبالرغم من اصطدام تلك التجربة بدكتاتورية الحاكم، والبيروقراطية المركزية، والفساد المستشري في اليمن، إلّا أنّها شكّلت نواة لعهد جديد من النهضة في حضرموت.


إعتكاف هلال
لم تخل فترة حكم هلال في حضرموت من الخلافات الحادّة مع مركز القرار في صنعاء، و مجموعة من المتنفّذين، من حاشية الرئيس وبطانته الخاصّة، وصولاً إلى خلافات غير مباشرة مع صالح ذاته، أجبرت الرجل على الإعتكاف لمرّتين متتاليتين، والتزام بيته احتجاجاً على بعض قرارات وتصرّفات المركز، التي تتداخل مع صلاحيته كمحافظ وصاحب مشروع مدني، لا يمتّ إلى ثقافة القبيلة والعسكر بصلة. لكنّه، في المقابل، لم يستطع مواجهة تيّار دكتاتورية الحاكم ذي العقلية القبلية.
تقرير هلال - باصرة الشهير


مع بداية إرهاصات ثورة أبناء المحافظات الجنوبية المناهضة لحكم صالح، والمطالبة بعودة الوضع إلى ما قبل وحدة التسعينيّات، كلّف النظام الحاكم، العام 2007م، كلّاً من وزير الإدارة المحلّية، حينها، عبد القادر هلال، ووزير التعليم العالي، صالح باصرة، بتقديم تقرير عن الوضع في المحافظات الجنوبية، والمطالبات الحقوقية لأبناء تلك المناطق. وعلى ضوء ذلك، بدأت اللجنة في استقصاء الحقائق في 25 مايو العام 2007م، بالنزول الميداني لمناطق عدن، لحج، تعز، الضالع، أبين، التي عُقد فيها أكثر من 35 لقاء.


وفي أغسطس من العام نفسه، قدّمت اللجنة تقريرها إلى الرئاسة اليمنية، التي لم تتعاط مع التقرير بجدّية، بسبب كشفه لكثير من الحقائق الخاصّة بملفّات الفساد، التي تثبت تورّط 16 متنفّذاً من حاشية الرئيس في قضايا تتعلّق بالإستيلاء على العديد من الأراضي والعقارات في المحافظات الجنوبية، علاوة على ملفّات فساد في قطاعات القضاء والمنشآت الحيوية.


وبقدر ما أثار التقرير الرأي العام اليمني، نتيجة كشفه للكثير من الحقائق لأوّل مرّة، إلّا أنّه أثار أيضاً غضب صالح، الذي لا يحبّذ الحديث في ملفّات الفساد الخاصّة بمتنفّذين ينتمون لأسرته أو قبيلته، لذا اعتبرها مسألة شخصية، وأحال الملفّ لنائبه، عبد ربه منصور هادي، لتشكيل لجنة جديدة، بعد تسريب بعض الجهات لأجزاء من التقرير، استخدمها معارضو النظام في مجلس النوّاب لتأجيج الشارع.


ملفّ صعدة وحكاية "بنت الصحن"
في العام 2008، أُسندت إلى عبد القادر هلال مهمّة القيام بحصر الأضرار في محافظة صعدة، معقل الحوثيّين، إضافة إلى بحث مطالب الأهالي، كدليل على حسن نوايا الحكومة. ولم تخل تلك المهمّة أيضاً من تكليف الرجل بالقيام بوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيّين خلال الحرب الخامسة، إلّا أن طريقة إدارة هلال للمفاوضات مع الطرف الآخر لم تلق استحسان بعض الجهات المستفيدة من استمرار الحرب، فقامت بإبلاغ الرئيس اليمني باستيائها من طريقة رئيس لجنة الوساطة في إدارة الأمور، متّهمة إيّاه بإرسال كمّيات من وجبة "بنت الصحن" اليمنية المشهورة إلى المقاتلين الحوثيّين في كهوف صعدة.


وبسبب هذه الوشاية، تقدّم هلال باستقالته من منصبه كوزير للإدارة المحلّية، وجاء في نص الإستقالة الموجّهة للرئيس اليمني: "وحتّى يسعد أولئك المنافقون الذين ظلّوا يدفعونني ثمن ثقتكم الغالية، في كلّ موقف، وفي كلّ لجنة كنت أعمل فيها، وأجتهد بأسلوب كي أصل إلى النتيجة الوطنية التي ترضي الله ثمّ ترضيكم؛ ولما قام به المدير العام للإستخبارات، ومن ورائه القوى المستفيدة والفاسدة، من تحقيقات ما يسمّى (بنت الصحن والحوثي)...؛ ولأن الكيل طفح؛ أجد نفسي مضطراً لتقديم استقالتي من عملي كوزير للإدارة المحلّية، وسأظلّ مواطناً مخلصاً ما حييت".


عزل وتحريض
على الرغم من استمرار عبد القادر هلال بالوقوف على مسافة متساوية من أطراف النزاع اليمني كافّة، إلّا أنّه عانى قبيل وفاته من حملة تحريض كبيرة من قبل إعلاميّين محسوبين على حركة "أنصار الله"، انتقدوا طريقة إدارته لأمانة العاصمة، متّهمين إيّاه بالخيانة على خلفية مواقفه المحايدة وآرائه الصريحة، التي أدّت إلى عزله من ممارسة صلاحيّاته كأمين للعاصمة.


وأشار الصحافي، نبيل الصوفي، في منشور على صفحته بـ"الفيس بوك"، بعد إعلان وفاة أمين العاصمة، إلى أن الرجل تعرّض لموجة انتقادات غير مبرّرة، بالرغم من كونه "المحافظ الوحيد الذي جرّب كلّ الطرق لحماية مؤسّسات الدولة، لتبقى بعيدة عن سطوة الإنقلاب الثوري، حتّى أوقف السيد عبد الملك اللجنة الثورية في أمانة العاصمة، قبل أن يوقفها الإتّفاق السياسي بين المؤتمر وأنصار الله بأشهر كثيرة. ومع أنّه أمين للعاصمة، فإنّه لم يشارك في أيّ فعّالية لأنصار الله ولا للمؤتمر، ولكنّه بقي في صنعاء العاصمة، يعمل لها كمدينة لكلّ اليمنيّين".


وأضاف الصوفي "(أنّني) لم أكن أفهم، ولا زلت لم أفهم، مبرّرات كثير من الذين يوجّهون له النقد الحادّ، وقد تجنّبت اللقاء به خلال الأسبوعين الماضيين، شعوراً بالإجهاد من هذه المعارك الذي تدار حوله ومعه، دون أن يكون لها أيّ إيجابيّات أو جدوى. لم يتغيّر رأيي عن هذا الرجل الصديق والأخ، رغم كلّ صراعات البلد، وبقيت أراه ذلك الثابت على منهجه، تفضيلاً للسلام ولبناء الدولة وللمشاركة الفاعلة".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات