إيمان السعيدي..
قلب القصيدة وخاصرة الناي - إبراهيم طلحة
الثلاثاء 16 يناير 2018 الساعة 11:34
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


 

نحن مقصّرون في قراءة أعمال بعضنا، ولم أكن استثناءً من هذه الحالة في التقصير، ولكن علينا أن نحاول - ما أمكن الأمر - الوقوف على بعض الأعمال والتجارب الاستثنائية. 
واليوم، وفي سياق متابعاتي للمشهد الشعري اليمني، واعتمالاته في أطُرهِ الثقافية العامة، وما يرافق ذلك من تشابكات الراهن وتراكمات الماضي، أجد نفسي أمام التجلي الشعري الحقيقي، وأنا أقرأ لصوتٍ نسائيٍّ شابّ من بلادي، إيمان السعيدي، يا لها من شاعرةٍ بلغ مدى شاعريتها ما لم تكن قبل سمعت ورأيت، وما لم تكن بعد لتسمع وترى!!

 

إيمان السعيدي خريجة قسم اللغة الإنجليزية، تكتب القصيدة باللغة العربية الفصحى التي نريد، أي لغة الجمال، وليست لغة التكلف والتقعُّر، تكتبها بلغةٍ مثمرة مغدقة، لا بلغة من يسقط واجبًا ويكتب لأجل أن ينشر.. أشهد أنّها من القليلات اللواتي يكتبن شِعرًا حقيقيًّا في الزمن المزيَّف، وأنها من القليلات اللواتي يكتبنَ قصيدة العمود بشكلٍ غير ذي عوج.. أنت هنا لست أمام شاعرةٍ عادية، لا، بل أنت أمام شاعرةٍ لا يضاهي قُدرتها الكتابية فحول الشعراء، ولا أعظم شاعرات العالم العربي واقعًا وافتراضًا.
بنت اليمن إيمان مكانها مع الكبار والكبار جدًّا، أمثال الخنساء، وبنت الشاطئ، ونازك الملائكة، وغيرهن من شاعرات الوطن العربي وكاتباته وشعرائه وكُتَّابه..

 

لا أدري من أين يمكنني أن أبدأ بوصف شاعريتها، ولكنني سأكتفي بأن أستشهد بقصيدةٍ حصل لي الشَّرف بقراءتها عندما تكرمت هي بإرسالها إليَّ ذات رويٍّ بديع، قصيدة بعنوان: (بوحٌ على خاصرة النَّاي)، وهي واحدة من قصائدها التي يصعب أن تجيد العزف على منوالها الشواعر المجيدات، ناهيك عن المبتدئات.
 

إيمان السعيدي هي خاصرة النّاي، هي لا غيرها، وأزعم أنها هي من ستكون قلب القصيدة النسائية اليمنية، ومن ستؤدّي حقَّ الحرف أداءً سويًّا، لتنبض بقوة إلى جانب أخواتها من مبدعات اليمن، وقد أكون محقًّا إذا قلتُ: إنها من بينهنّ مجتمعاتٍ تتبوأ مكانًا خاصًّا لائقًا بها ضمن ما يمكن أن نسمّيه شاعرات الدرجة الأولى.. تكتب إيمان بجميع الأشكال الشِّعرية، ويجميع الألوان الزَّاهية، وبجميع المذاقات اللَّذيذة، وبجميع النَّكهات الزَّكيَّة، واللّفتاتِ الذَّكيّة.
 

أدعو الأصدقاء والصديقات إلى قضاء وقتٍ رائع في القراءة لإيمان، ستستمتعون، وعلى مسؤوليتي، كما استمتعتُ أنا بقراءة نصوصها وتصفُّح صفحتها.. وأضيف بأنَّ إيمان تملك ثقافةً عالية، وهو ما يضفي على قصائدها مسحةً من بيانٍ يشبه السِّحر الحلال، علاوةً على الكلام العذب الزلال، وما يعني أنها تجمع بين صفاء القلب ورجاحة العقل، وبين العاطفة الجياشة والتفكير الناضج، وهذا هو معنى "اكتمال الاكتمال"!

 

وهذه هي قصيدة: (بوح على خاصرةِ الناي):

 

يا صديقي

تفتّقَ الحزنُ فيَّــا

شاخَ بوحي, ومِلْءَ روحي تفَيَّـا

لم يعدْ في قصيدتي

طيفُ شدوٍ,

وفمي الطِّفْلُ يُصْلَبُ الآنَ حيَّــا

كلُّ يومٍ

بخافِقي ذابَ خوفًا

ما استكانَتْ حدائقُ الأمسِ فيَّـا

كالفراشاتِ لم أزلْ

منذُ عمرٍ

أنسجُ الوهمَ في طموحي بهيَّــا

موسمُ الّلحنِ

لن يراني دروبًا

يَغرَقُ الوردُ في ندى شَفَتيَّا

وطوى النَّايُ تمتَماتِ حروفٍ

قدَّها البؤسُ

مذْ طوى الضوءَ طيَّــا

وصلاتي

بموطنِ اليُتْمِ تنعي في حدادٍ

جنائزًا في يَديَّــا

يا صديقي لمَ العباراتُ

حيرى؟

في يدِ الشَّمسِ لا تَرى أبجَدِيَّــا

نغمةٌ

في تُخومِ روحي أقَامَتْ

شَرَكَـًا باذِخَ المُنى نرجِسِيَّـا

معصَمُ الرِّيحِ

من شفاهي يباهي بخرابٍ؛

ولا سَبيلَ لديَّـا

أودعَ القَلبُ خِلْسَةً ماءَ حُلمي؛

فانتشى الجَدبُ فوقَ جرحي فتيَّـا

يصعدُ النبضُ متعبًا

أُفقَ شِعري

وصدى الموتِ جالَ في أُذُنَيَّــا

يا صديقي

شُحوبُ صوتي نحيبٌ

يتشاكى بنا أسىً سَرمديَّــا

خانَني الضَّوءُ في جفونِ المرايـا

وارتمى الحزْنُ

في الأكُفِّ حفيَّــا

كلَّمــا نِمْتُ

بين كفِّي أَمانٍ أيقَظَ الغَيبُ

بالرَّدى مُقْلَتيَّــا

هل سنغدو فوقَ الغيومِ غناءً

نطرِبُ الكونَ بالأغاني سَوِيَّـــا؟!!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات