مريم البلقاء وأشباه المشيدات - إسماعيل ابراهيم عبد
الخميس 18 يناير 2018 الساعة 12:12
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


 

إذا استقر فهمنا على ان المشيدة السردية :

هي وحدة تركيب تامة الاداء باتجاه غاية القص الكبرى، فان شبه المشيدة هي وحدة عضوية في ذلك التركيب مخصصة لأداء متمم باتجاه غاية القص الكبرى .
وما يهمنا هنا هو مدى مساهمتها الفنية ، التي تظهر بصيغة مبثوث نثري سردي وغير سردي في داخل القص ككولاج أدبي أو مبثوث شبيه بالتحقيق الصحفي .. لنستنطق الأثر الآتي من مأثورة : [قصة مريم ((البلقاء)) لعلي السباعي]( ) إذ أراد أن يوحي لنا القاص بأن العنوان هو((البلقاء)) مريم … كما انه أنتج لنا مدخلاً غريباً .. وختم لنا القصة بمخرج غريب أيضا. لهذين الجزئين ـ المدخل والختام ـ إسهام يخص فرضنا((شبه المشيدة)) يرفع درجة كثافة السرد بالتنويع والترغيب !! . لننظر:

[ اردت بكتابتي لهذه القصة ان أحاكي خيول فائق حسن ، منذ طفولتنا مريم بنت عمي وأنا مفتونان بها برشاقتها ، بمتنانتها ، بجمالها ، أردت  أن أنتمي الى الانسانية بهذه القصة واحاكي ألوان مبدعنا الكبير فائق حسن بعد واحد واربعين عاماً من رسمه لوحة ((البدو)) التي كانت حاضر مهر مريم بنت عمي ، أردت تحدي نفسي مثلما تحدى المهندس (( جان كلود أنجيلس)) ، من اصل فرنسي ، غوستاف إيفل ، فقرر بناء برج في لوس انجيلس يبلغ ضعف أيفل تقريباً، طوله ستمائة وعشرة أمتار ووزنه خمسة عشر طناًوأطلق على تصميمه إسم((برج السلام)). الآن – اعتذر عن طموحي البائس هذا . أوه نسيت إخباركم ان طول برج أيفل ثلثمائة متر ووزنه سبعة آلاف طن من الحديد المزخرف ،سأسمي قصتي : مريم ((البلقاء))- علي السباعي..](  ).                                                 

هذا التقديم للقصة تقديم روائي ، إذ أن عناصر السرد القصصي كلها متوفرة ( تركيب الشخوص ، قوى السرد ، نسيج القص الفاعل ، وحدات البناء الحدثية) في نسيج القصة .               لقد بنيتْ مقدمتها لتكون مبرراً أولياً لما نتوخاه من متبقى النص .
في هذا التقديم تبرز ظاهرة التأثير الحكائي الاخباري ، والذي يكاد يخرج بالقص الى منطقة التحقيق الصحفي , فقد تضمن عدة معلومات أهمها تاريخ رسم لوحة ((البدو)) لفائق حسن وطبيعة خيوله والوانه  ،،.. مثلما أخبرنا بالمعلومة القياسية عن برج السلام وبرج ايفل . طولهما ووزنهما وإسميْ مصمميهما .. ثم أوحى لنا بأن قصته لها الاهمية نفسها بالنسبة له .. كما اوضح سبب اشتغاله على ثيمة هذه الخيول وتلك الابراج .. ليجعل فهمنا ينداح صوب قضية التخطيط الهندسي الكلمي لقصته

بحيث تجمع كل قضايا الانسان بطموحين ( السلام – الجمال ).                                            احتوى المقطع المتقدم (20) عشرين فعلاً ضمن نسيج بلغت كلماته (100) مائة كلمة عدا الحروف التي عددها إثنا عشر حرفاً ، توزعت على(20)عشرين جملة .. ان كل جملة في هذا المقطع كانت تؤدي حدثاً في قص باتجاه الجملة التي تليها .. في واقع الامر , ان هناك دائماً نقص في الاخبار الحدثي حتى بعد ان اتمت المقدمة (100) كلمة , اخبر بالفعل والحدث ناقصي الافهام .. فكأننا أمام شتات من جمل تم اكتمال نسجها بأداء خاص لا مكتمل من ناحية السرد , مثل هذا نسميه شبه مشيدة .. إذا كان الاداء ناقصاً لشبه المشيدة فهل يمكن الاستغناء عنها ؟                                          ابداً. مطلقاً ..                                                                                                     إن اسلوب السرد حتى في الاجناس القريبة من القص كالملحمة الشعرية والمقامة اعتنت بأشباه المشيدات كمكلات نصية في القص . قصة مريم ((البلقاء)) أعطت اشباه المشيدات حتمية اختتام القصة .. ولو تدخلنا قليلاً في استجواب القاص علي السباعي عن كيفية انتمائه الى الانسانية من خلال خيول فائق حسن ، ولوعته بجواد سليم , من خلال منحى أشباه المشيدات الختامية , لأجابنا بالنص الآتي : 

[ البغل أخترق مقبرة الاطفال كلها ، الان . البغل امامي يحتل المكان ، يستحوذ على انتباهي كله ، أطالعه يهز ذيله ملخصاً حياتي الشبيهة بحياة زهور حسين التي كان نصيبها الرقص فقط]( ) , على اعتبار ان الفوضى تشيد العقل مثل لاأُبالية بغل تجاه بلقاء. ومن شبيهات المشيدات – بين التقديم والخاتمة – جميع التصنمينات ، والانثيالات والخروقات الاجناسية .. يظهر مثيلها في نصوص قصص اخرى لقصاصين أُخر بعدد لا حصر له ، تتوزع على ساحة نصوص القص الحديث كمبثوت شعري او نثري او صحفي او مأثور حكائي … أو ما يقارب تلك وهذه ..                                            هذه المبثوثات تعتمد طبيعة الفعل اذا كان سردياً ام نحوياً. وفي جموعها تكون شعرا او نثرا فنيا أو نثرا صحفيا .. ومن تجربة الكتابة القصصية ، وملاحقة النصوص الشعرية توضح ان الشعر ينحو الى الفعل النحوي كطاقة تفجير و تحفيز اولية . اما القص فيؤسس مشيداته وشباهها على وفق فقة النص المكتفي المفتوح على مجاوراته الاجناسية والبلاغية .                                                 ان شبة المشيدة تعبر عن نسيج مثابر على ان ينصب شراك المعنى في أي جزء من الأثر ، وان ثراء النسيج بأشباه المشيدات نسقاً سيمكن الكاتب والقارئ بأن يؤولا النسيج الى مقاصد متعددة تبلغ اقصى مدلاها في التأويل المتنامي!.
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات