وشوشة المحار بين الشعرية وخصائص الهايكو - أ. علي أحمد عبده قاسم
الاثنين 23 ابريل 2018 الساعة 13:35
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة

 

صدر مؤخراعن مكتبة عزيز بصنعاء المجموعة الشعرية في الهايكو للشاعرة والقاصة / سكينة شجاع الدين ضمت المجموعة بين دفتيها مايقرب من اربعمائة وثلاثة واربعين نصا في شعر الهايكو والتي ضمتها صفحات المجموعة التي بلغ عددها مائة وسبعة وخمسون صفحة من القطع الصغير 
تأتي أهمية الإصدار أنه أول أصدار في اليمن في الجنس الشعري الوافد لإبداعنا من شرق آسيا وبالتحديد اليابان 
وفي هذه القراءة سأتناول الخصائص والمميزات لشعر الهايكو من خلال نصوص المجموعة الشعرية.

أولا العنوان.

نعلم أن العنوان هو اللافتة التي ترسم هوية النص وهو العتبة الأولى التي يلجأ لها القارى لتفكيك النص وتشريحه وتأويل فضاءاته ورسالته والعنوان اختزال لمضامين النص ورسالته القريبة والبعيده والمسكوتة في مضاميته. فهو احترافية كاتب وقدرات محترف وهو إشارة لاحترافية الشاعر الذي يمتلك أدواته.
وجاء تركيبا إضافيا" وشوشة المحار" فأضاف النص المحسوس للجماد ليجسد المعنوي للمحسوس بصورة تجسيدية سريالية لامعقولة تشد المتلقي ليتشابك المتلقي مع النص ويحفز ذهنه باثارة ليفسر دلالات
حيث تحول المحارات كائنا حيا له لسان وله حديث ويهمس برسالته في عالم الإبداع وأذنه بالذات بإسلوب واضح وغير واضح بوصف الوشوشة كلام مختلط مرة يسمع وأخرى يحتاج لانصات والعنوان جاء بطريقة تراسل الحواس حيث استلب اللسان من الإنسان ومنحها للحروف التي هي الوشوشة واستلب السمع وأعطاها للمجموعة الشعرية التي المحار فأنسنة الشكل والمضمون يفضي أن النص الشعري رسالة إنسانية بامتياز وهي إبداع انساني ممتد وسط عالم الإنسان الذي تنصل عن الإنسانية. 
وجاء جملة إسمية تتكون من مبتدأ وخبر " هذه وشوشة المحار" وحذف المبتدأ لأهمية المشار إليه وثباته وديمومة همس الإبداع الحروف ماامتد في الإنسان نفس بامتداد وثبات المشاعر خالد بخلود الحياة 
وعند نتأمل مترادفات اللفظ وشوش 
فأنه جاء بمعان تجمع الخفة والسرعة بين كل المترادفات 
"ولد وشوش" أي خفيف سريع 
"وشوش الولد" كلمه بصوت خفيف غير واضح
"وشوش صاحبه"
همس إليه بالكلام وساره.
ومن ذلك يلحظ المتأمل في المترادفات. 
أن الجامع بين المترادفات كلها الخفة والسرعة والهمس الخافت غير الواضح بوصف الابداع تلميحا وكلام متعدد التأويل 
وهذا يتفق تماما مع خصائص الهايكو حيث أن السرعة والخفة لازمة كتابية عند كتابة الهايكو
فالسرعة تتمثل بالجمل القصيرة الخالية من حروف العطف والفواصل فيكون النص اشبه بقطار سريع صادم في نهايته وبدايته والخفة هي التكثيف الخالي من الاسهاب والتطويل والوصف الملل وهو نص مختزل موارب فيه الحذف والاقتطاع من النص وفيه تقديم وتاخير ليكون نصا موجزا سريعا مدهشا
والمحارات هي الجواهر الآتية من بحر المشاعر ومن مقدرات الاعماق والخيال فالمحارات معادل رمزي للنص فشكل الديوان عقدا فريدا
فيه لؤلؤ وجمان وياقوت والماس وغير ذلك من الجواهر النفيسة فالنص نص هايكو نفيس نادر اجتمع فيه الروح بالحرف ورسم عالمه مشاهد مثيرة قصيرة مختزلة مكثفة مباغتة 
فكان العنوان موفق لأبعد حد بوصفه اختزل مضامين وخصائص في كلمتين" وشوشة المحار"

ثانيا مفهوم الهايكو

الهايكو هو الشعر الياباني وهو نص شعري يفيض بالمشاعر على الرغم من قصره 
وهذا الشعر يتألف من ثلاث مقاطع أو اربع أوخمس أو ست وقد يصل لسبعة عشر مقطعا في حالة التانكا 
وفد مؤخرا تأثرا بثقافة الشرق بعد أن تأثر العرب العرب بالثقافة الغربية والمذاهب الأدبية فيها بعد الحربين العالميتين 
ووفدد هذا الجنس الأدبي تلاقحا مع الثقافة في شرق آسيا وزاد من انتشاره شبكات التواصل الاجتماعي ربما كان المغاربة أول المهتمين وفي الأردن خاصة 
ولست هنا بصدد انتشاره و أود التوضيح 
ففي مقدمة المجموعة قال دكتورنا الأستاذ عبدالعزيز عبدالمقالح 
أن الهايكو محاكاة للشعر الياباني واضيف أنه استيعاب من اللغة العربية لمثل هذا الشعر خاصة واللغة العربية واسعة الخيال بل أن لغتنا هي لغة مجاز حتى في حديثنا اليومي ومن أهم خصائص الهايكو المجازية وأثبتت الورش والحوارات والسجالات التي أجريت بشأن استيعاب اللغة العربية لهذا الجنس الشعري الوافد أن لغتنا استوعبته بامتياز ومن نافلة القول أن الهايكو لم يعد يكتب في اللغة العربية فقط بل أيضا بعض اللغات أخذت بهذا الفن كالانجليزية والفرنسية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل التزمت الشاعرة بمقاطع النظام للهايكو بالفعل؟
نعم بكل تأكيد فعند التأمل في النص أنها التزمت وكتبت بكل أنظمة الهايكو الثلاثية والرباعية والخماسية والسداسية ففي النظام الثلاثي جاء نص وحيد هو

"بندوبها 
متدفقة 
حروفي"

وفي النظام الرباعي جاءت كثير من النصوص كمثل

"غادرني 
حين قبلته 
الحزن'
وأتي النظام الخماسي في كثير من النصوص 
كمثل

"تتدلى 
ثمار الأشجار 
وجدي المختزل"

وجاء السواد الأعظم من النصوص سداسية كمثل 
" مد وجزر 
على الشاطئ
عواصف الأشواق"
وكذلك

"تسير خواطري 
على صفحة الماء 
حافية الشعور"

وبالمجمل فإن نص الهايكو مشهدا يفيض شاعرية يتكون من ثلاث جمل مترابطة تصلح البداية أن تكون نهاية والنهاية بداية أي يمكن قراءته من نهاية لبدايته ومن بدايته لنهايته واذا تعثرت تلك القراءة فأن النص مختل 
وأيضا ورد في النص نصوص التانكا وهي عبارة عن نصين هايكو متتاليين ويمكن قراءة النص من البداية والنهاية كمثل

"عيون القلب 
ترنو إليه 
وجدته
في مقامه 
ألوان الحنين 
تسبح"

"لوحة مرسومة 
لعمره الحافل 
ذاكرة سخاء 
باقية بالشكر 
أتمرغ فيها 
نعمه"

تأتي أهمية الديوان كونه كتب وباحترافية وبوعي بالخصائص والميزات فهو هايكو مكتمل وهو أول مجموعة شعرية في اليمن ومن المعيب على مؤسساتنا الرسمية أن يطبع مثل الديوان المهم في مكتبة تنسخ وبجهود ذاتية والمفترض بدار لها شهرتها 
وحتى أكون منصفا وحدت بعض النصوص للشاعرة ليلى الهان لكنها ليست مكتملة وغير واعية لكنها تشبه الهايكو ووجدت لأستاذي الكبير الأستاذ محمد القعود نصين في نهاية ديوانه الوردة بلاقبيلة لكن تعد تلك كتابات جاءت كتوارد الخواطر.

ثالثا أهم خصائص
الهايكو

وحتى تكون رؤيتي مفيدة وذات جدوى فإن أهم خاصية للهايكو هي الموسمية وهي جوهر شعر ومحور ارتكاز شعر الهايكو وهي تصوير فصول السنة وتعاقب الليل والنهار والتغيرات المناخية وهبوب الرياح وسكونها وحالة الجفاف والمطر والبرد والحر وربما تأتي أهمية بوصف اليابان كثيرة المطر وتعدد الفصول في شرق آسيا لذلك يعتبر الهايكو مشاهد للبيئة وتصوير للأمكنة والأزمنة بصورة ذكية وهو رسم للخصوصية والهوية بلقطات ذكية وكم نحن بحاجة من كل أديب ومبدع أن يرسم الخصوصية والهوية والتغيرات التي تطرأ على المكان والزمان 
فهل صورت الشاعرة تلك الموسمية في هذا الديوان من ذلك

"الخريف 
ناقوس يدق 
في شرايين الذبول 
نبته ترعاها "

"مسافرة فيك 
صحراء قاحلة 
أعد حطواتي"

"يحين الفراق 
حتمية القدر 
طيور مهاجرة"

".كلما أمطرت السماء 
بحثت عن بذورها 
طيور مهاجرة"

"صقيع يلفني 
ضمة 
تكفي للشروق"

لذلك فالنص كتب بموسمية عميقة ورسم الوردة والزهرة والذبول وتساقط الأوراق.

"وفاة الورد 
تنحتها الأيام 
ذاكرة موجعة"

والخريف والربيع والليل والنهار والحر والبرد والحر وابشروق والغروب وبدايات الفصول ونهايتها ومايطرأ على الطبيعة من تغيرات وانعكاس ذلك على الذات بنصوص غاية في الجمال والمفارقة

أما الخاصية الثانية فهي الآنية أي أن يرسم الزمان الحالي والموجود والواقع المتوفر وإن ذهب للماضي وللتراث وكل الموروث فإن النص يوظفها للحاضر ويجسد من خلالها حقيقة واقعية أو لحظة شعورية فيتكلم عن الحاضر بتوظيف الماضي ويمكن للمتلقي أن يضيف بخياله الظرف "الآن " في نهاية كل نص في المجموعة

"غيوم 
فارقت السماء
خريف هل"

فنستطيع القول في خيالنا في نهاية أي نص الآن.

وتأتي الخاصية الأخيرة والتي أود التحدث وهي المجازية أي أن النص الشعري رغم قصرة زاخر و مترع بالصورة الشعرية والخيال من خلال تشبيه أو استعارة أو كناية أو رمز أو اللون وحفل النص في المجموعة بأصناف المجازات وأنواعها ماعدا نص وحيد مباشر

"انقطع 
قابس الشحن 
عندها غادرت طفلتي"

هذا النص الوحيد الذي جاء عاريا من الصورة بما يشبه الخبر العادي 
وهذه الميزة ليست ميزة وخاصية للهايكو فقط بل كل أنواع الشعر وأي نص أدبي فمن الضروري أن يتميز الشعر بالشعرية وهي مكامن الابداع في أي نص وهي كسر أفق المتلقي بحيث ينال النص أعجابه ويوخز مشاعره.

رابعا الزمن ذكاء اللقطة

واذا كانت الزمانية والمكانية هامة فإن النص رسم مشاهد زماننا ووطننا بصورة وسريعة وكل نص هو قصيدة طويلة أو موضوع لقصيدة طويلة.

"انفجر الصاروخ 
تناثرت الأشلاء 
وطني يحترق"

" تشكو الإهمال.
جفاف للحياة 
مدرجات اليمن"

وجاء في النص بلوحات مدهشة قصيرة مدهشة 
"تجيد الطعام 
بنفسها المميز 
ملاعق الطعام"

" مستبد 
أرق منامي 
صنبور مثقوب"

وأعمق أنواع الهايكو ماجاء التقاطة سريعة مبتكرة هي للكاتب فقط وليست لغيره أو محاكاة لغيره فشاعر الهايكو المحترف والمتمكن والكبير يتميز مثله مثل أي شاعر يكتب الشعر المتبع والمتعارف عليه.
و الأ ستاذة سكينة شجاع الدين شاعرة متميزة في كلا الجنسين من الشعر

خامسا البدايات والنهايات

تأتي البدايات والنهايات في شعر الهايكو وفي أي نص له خصائصه دالة على براعة الشاعر والكاتب من خلال قوة النص وتماسكه وترابطه 
واذا ما تأملنا نصوص المجموعة من حيث البدايات والنهايات فإن تنوعت فقد أتت جملة فعلية وجملة اسمية وشبه جملة وربما انتهت بدأت بجملة فعلية وانتهت باسمية

"يأتي الشتاء 
متجمد النبض 
حروف تسبح 
في الأعماق"
بدأ النص بجملة فعلية وانتهى بشبه جملة وقد يأتي بظرف أو حتى بمفعول مطلق أو نداء أو استغاثة.

' حين تغادره 
يضرب عن الطعام 
عصفور وفي"

بدأ بشبه الجملة وانتهى بجملة اسمية 
وقد يبدأ باستفهام وينتهي بجملة فعلية

" ماذا صنعت ؟
يسألاني 
منكر ونكير 
الحياة آمال لاتنتهي 
أحياها الموت"

البداية والنهاية في الهايكو هي ريشة الفنان التي تصنع لوحة الحروف لذلك لها أهمية بالغة عند كتابة نص الهايكو فإن تعثر الكاتب في النهاية والبداية تحطم النص وتبعثره مضمونه وقوته وقدرات الشاعر واتساع اطلاعه ورحابة خياله هي من تخلق وترسم بدايات ونهايات بادهاش ومباغتة وليس للبدايات والنهايات قواعد محددة
اذن قدرات الكاتب الشاعر واحترافيه خياله وثقافته هي من تخلق نهاية مدهشة وبداية موفقه تصلح أن تكون أيضا نهاية 
أخيرا قديسأل القارئ هل لكل نص من نصوص الهايكو عنوان مستقل ؟
نعم فالشاعر البارع يعنون النص وهذا مايسير عليه الشعراء الذين يتسابقون في باللغات الأجنبية والمسابقات التي تنظمها المراكز المهتمة بمثل هذا النوع من الشعر 
وآخرا تميز النص الذي بين أيدينا بالسرعة والتكثيف والإدهاش واللغة الشعرية وحتى فلسفة المشهد

"أوراق الربيع 
تزهو في صمت 
بلاغة الجمال"

والجمل القصيرة الخالية من الفواصل وتناول الذات والمشاعر وعكس النص الصورة بحالة من التوحد.

"نجم متلألى 
يسبح بالسحر 
روح مضيئة "

والوطن أيضا نال حظا من المشاهد سواء من حيث الطبيعية والجغرافيا أو من حيث مايمر به من أحداث.

" فراشات تتهاوى 
وسط النيران 
أحلام الوطن"


ومواسم الحياة والأمومة والطفولة

"وجدتها 
طفلتي المدللة 
أعيشها فرحة"

" معلومة مثيرة 
تحفظها مقلوبة 
ذاكرة طفلي"

ومواسم العبادة
"غادرت بلطف
هذا العام 
ليالي رمضان"

فهذا نص شامل مكتمل ...

سادسا الهايكو والأجناس الأدبية.

وإذا عرجت القراءة في الأجناس الأدبية فإن الهايكو يتلقي مع قصيدة.النثر من حيث رمزية الصورة وشتات الدلالة والمفارقة 
ويتداخل مع النصوص السردية 
كالقصة القصيرة جدا في الخصائص من حيث. الاختزال والتكثيف والمباغتة والرمز والتلميح والشعرية والمفارقة لكنه شعر وليس سردا فيلتقي في الخصائص والقصر وليس في الجنس..
كل الأماني الصادقة للشاعرة بالتوفيق حيث تعتبر المجموعة أول إضافة جديدة للمكتبة الشعرية اليمنية في شعر الهايكو.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات