اسم الكاتب وعبء الهوية - هيثم حسين
الاربعاء 11 يوليو 2018 الساعة 06:28
الرأي برس - أدب وثقافة


في العالم العربي هناك قيود مختلفة من نوع آخر، هناك الخوف من الاستبداد والإقصاء والعنف من قبل السلطات، ما دفع عددا من الأدباء إلى الكتابة بأسماء مختلفة عن أسمائهم.

يتبدّى الاسم كهوية للكاتب، يشير إلى خلفيته الإثنية والدينية من خلاله، يحيل إلى فضائه الثقافي الذي ينتمي إليه، أو يدور في فلكه، قد يتحوّل إلى دال للتعريف بعالمه الذي يستقي منه جزءا من خصوصيّته وتمايزه، وقد يتحول إلى عبء كهوية.

عرف تاريخ الأدب كثيرا من الأدباء الذين اختاروا لأنفسهم أسماء أدبيّة، غيّروا الأسماء التي تمّ اختيارها لهم من قبل الآخرين، سواء كان من قبل والديهم أو ذويهم أو أحد آخر قريب منهم.. يحمل الاسم الجديد نوعا من مراد الكاتب وآماله وأمنياته لنفسه، ما يشتهي أن يجسّده من خلاله، أو يصل إليه عبره.

ما الذي يريده الكاتب من اسمه حين يقوم بتغييره؟ هل يكون الاسم القديم قيدا يضغط عليه ويحاصره ويبقيه رهين ماض يحاول التهرّب منه بطريقة ما؟ هل يمنحه الاسم الجديد المختار بعناية وحرص من قبله، وبناء على قناعة ويقين وثقة، الحرّيّة التي نشدها ولم يكن يشعر بها وهو مأسور بقيود اسمه القديم؟

من أشهر من غيّر اسمه الكاتبة الإنكليزية ماري آن إيفانس (1819 – 1880) التي اختارت أن توقّع رواياتها باسم جورج إليوت، إذ كانت مقتنعة بأنّ اسمها الأنثوي قد يكون قيدا يمنع التعامل مع أعمالها بجدّية، وذلك في وقت كانت الغلبة فيه للرجال في مجتمع محكوم بذهنية ذكورية، وتصنّف روايتها “مِدل مارش” من بين أبرز الروايات في تاريخ الأدب.

وفي العالم العربي هناك قيود مختلفة من نوع آخر، هناك الخوف من الاستبداد والإقصاء والعنف من قبل السلطات، ما دفع عددا من الأدباء إلى الكتابة بأسماء مختلفة عن أسمائهم، وأشهروا بعد ذلك أسماءهم الجديدة لتكون هوياتهم التي سعوا إليها، منهم الروائي الجزائري ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) الذي استعار اسما أنثويا ليتملّص من العنف الذي قد يستجرّه عليه اسمه وصفته في بلد كان يمكن أن يقع فيه ضحية كثير من سوء الفهم أو إساءته؟

وفي الأدب الكردي الحديث هناك عدد من الأدباء اختاروا أسماء أدبية، وهي ليست أسماء مستعارة، بل أسماء وضعوها بدائل عن أسمائهم التي اختيرت لهم، ليعلنوا من خلالها تمرّدهم على السلَف والاختيارات التي بدت لهم خاطئة، وحاولوا تصحيح تلك الأخطاء، وتقويم الاعوجاج الاسمي ليكون سبيلا إلى هوية الكاتب المفترضة بعيدا عن قيد الاسم السابق.

لا يخفى أن البحث عن الهوية، وعن الاسم، يتقاطع مع بحث الكاتب عن الجذور، وهو ما يحضر عند كثير من الأدباء، وبشكل خاص ممّن يعانون نوعا من التهميش والإقصاء في بلدانهم، ويكون بحثهم بمثابة نقطة إثبات على التجذّر في الأرض والاستمرارية بنوع من تأكيد الذات وانتزاع الاعتراف بالأحقّية والكفاءة والتقدير.

ولا تبقى الأذن موضع اسم الكاتب من جسمه، بحسب ما نقل عن علي بن أبي طالب في رده عن سؤال أحد الرهبان له عن موضع اسمه من جسمه، بل يغدو المكان الجديد المأمول، والمكانة المعتبرة المحلوم بها هي الموضع الأثير الذي يصبو إليه الأديب الساعي في ظلال اسمه الجديد إلى فضائه الأدبيّ المتخفّف من وقع السابق على الراهن واللاحق، ومن عبء الهوية المقيّدة له في اسمه الذي تمرّد عليه.

كاتب سوري

منقولة من صحيفة العرب...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات