ما مستقبل قصيدة النثر ذاتها؟ السؤال الأكثر إلحاحاً - حاتم الصكَر
الأحد 15 يوليو 2018 الساعة 07:55
الرأي برس - أدب وثقافة


 

 

في أرض ذات طبيعة زلزالية كالشعرمن يستطيع التنبؤ بما ستكون عليه قصيدة المستقبل ،أو أي نوع من القصائد ستكون جديرة بذلك المسمى؟
ربما سيقَ ذلك الإدعاء في مرحلة الحماسة التبشيرية -كما أود تسميتها - من مراحل حياة قصيدة النثر ،وتداوليتها المبكرة، لكنها في الحق أصبحت قصيدة الحاضر إحتامكاً إلى هيمنتها على المشهد الشعري، وطرق الكتابة الشعرية المعاصرة وأساليبها الممكنة، . أما المستقبل في الشعر خاصة فإنه ضرب من الحدس والتوقع لايمكن الوثوق به كشيء مطلق ونهائي، فالحساسيات الشعرية دائمة التغير، وبالغة التاثر بسياقات محايثة لها، هي جزء من مزاج عصر كتابتها، ونوع تلك الكتابة مقارنة بالعلوم الإنسانية والمجالات القريبة منها ،لاسيما الفنون النثرية والمؤثرات الثقافية الممكنة في زمنها ..
نقول هذا مؤيَّدين بما جعل قصيدة النثر اليوم بهذا الشيوع والتداول الحر والمتنوع. ومنحها جماهيرية نسبية وقبولاً في الأوساط الثقافية والأكاديمية، و كذلك بالتأمل في تبدلات الحساسية الشعرية ذاتها: كاختفاء المطولات الشعرية ،والميل للتركيز والكثافة - ذلك الشرط الذي سخر منه نقاد قصيدة النثر حين سمته سوزان برنار واحداً من مستلزمات كتابة قصيدة النثر ونقله عنها رواد كتابتها العرب- وهيمنة السرد المطلقة على القصيدة الحديثة، بديلاً عن الغنائية والوصفية والمعالجات المجردة في القصيدة التقليدية .
ولدينا أمثولة أخرى هي ظهور شعر البند مثلاً كأحد مؤثرات كتابة قصيدة التفعيلة ( الشعر الحر ) وكمرجع أو مستند لجذورها وأصولها الموسيقية باعتراف أبرز روادها(نازك الملائكة )، بعد أن اختفى البند كنوع شعري ،وزال من لائحة الكتابة الشعرية الحديثة ، لكنه عاد مؤثَّراً بحسب إيقاعه وهيئته السطرية واستمراريته.
ما يمكن الوثوق به ووضعه في لائحة التوقع هو الجانب التقبلي والبنيوي للقصيدة .
فالقراءة المستقبلية ستدرج قصيدة النثر بشتى أنواعها وأنماطها: الدلالية والموضوعية والسردية وسواها ضمن جنس الشعر دون تردد وتساؤل.سيخف رفضها وتكون بتراكم نماذجها وتنوع مناخاتها ضمن ذخيرة القراءة وخبرات القارئ - بمصطلحات علماء القراءة والتلقي- ما يجعل قراءتها قيد إمكان الكثير ممن لا يقاربونها حالياً لأزمات موضوعية وذاتية ؛ كتسميتها المستفزة، ومخالفتها للسائد المألوف من الشعر ،وهذا ما حصل في الشعر العالمي نفسه كتجارب يمكننا استخلاص عبرها ودلالاتها..
كما تظل قصيدة النثر بجانب أنواع الجنس الشعري الأخرى بكونها تلبية لتنوع الحساسيات الشعرية ذاتها. فالأمزجة تتأثر رفضاً وقبولاً بسياقات يصعب التكهن بها ؛لأنها تتعلق بيوميات الحياة وثقل أحداثها ووقائعها ،ولعل في مقدمتها الحروب كوقائع كبرى، والتغيرات السياسية والإجتماعية والتقنية وسواها.
توقع آخر ممكن خارج الحدوس المستجيبة للنيات والرغبات ، هو إمكان صيرورة قصيدة النثر شعبية وجماهيرية بفعل وسائط التواصل وما تفرضه من هيئات وتشكلات للنوع الشعري. مثلاً قبول قصيدة الومضة ،وماعرف عربياً بالهايكو - حتى في مخالفة نماذجه لمنطلقات الهايكو الياباني- ضمن مناخ الشعرية العربية المتحررة من مفهوم القصيدة المقطعية أو الطويلة والملحمية.تغيرت الحساسية إذاً بفعل الوسائط الشائعة اليوم ؛كالرسائل النصية في الهواتف والأجهزة المحمولة .والقراءة الإلكترونية اليوم لا تتحمل التطويل والإطناب كبنى للنصوص..
ذلك كله نوع من الحِجاج الشخصي الذي أسوقه دوماً لتقرير قناعتي بأن لا شيء متوقع في الكتابة الشعرية ونهائي ومستقر.
وفي ظني أن التساؤل الذي يلح على المستوى الجمالي هو مقلوب سؤالكم تماماً: أعني: السؤال عن مستقبل قصيدة النثر ذاتها لا ترشيحها لتكون قصيدة المستقبل..

منقولة من جريدة الإتجاة الثقافي العراقية..

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات