“أنا في السويد لكنّي لست بأمان”… الحقوقيّة اليمنيّة هند الأرياني مهدّدة بالترحيل
الاربعاء 14 نوفمبر 2018 الساعة 15:59
الرأي برس _ المشاهد

حين نسمع إسم “السويد”، نطمئن عادةً. نشعر بشيء من الثقة. نتوقّع أن أمورنا سوف تُحلّ على ضوء معايير يُنظر إليها كمرجعيّة للدول المهتمّة بتطوير نظمها وآليّاتها الحقوقيّة، وعلى رأسها المبادئ النسويّة الراعية لمنظومتها القانونيّة، وأسس حماية الأطفال الذين لا تساهل مع مَن يعرّضهم للأذية، أو حتّى يرمقهم بنظرة مُبهَمة. ولكن، “حقوق الطفل، حين يكون لاجئاً، لا تعود حقوق طفل”، بحسب تعليق أفادت به لـ “درج” الصحافيّة والناشطة الحقوقيّة اليمنيّة، هند الأرياني، المهدّدة بالترحيل من السويد.

في حديث إلى “درج” تروي هند أنّها تقدّمت بطلب اللّجوء في السويد في كانون الثاني/يناير 2018 بعد أشهر قليلة من وصولها إليه، لتتمكّن من البقاء إلى جانب ابنتها التي لم تعد تحتمل التغيير والتنقّل والصدمات المتتالية. وتقول هند، “لم أستطع السفر وترك ابنتي، ولم أستطع إجبارها على السفر وهي في هذه الحالة”، عالقة بين حالات القلق والاكتئاب.

اعتقدت هند في البداية أنّ ثمّة عوامل ستسعف ملفّها، مثل حيازة ابنتها على تأشيرة إلى السويد، ووجود أمّها وشقيقتها هناك، والأخذ بمبدأ المصلحة الفضلى للطفلة المتمثّل ببقائها مع والدتها، وبالقرب من العائلة أيضاً. وحين استأنفت قرار الرفض الأوّل، أضافت إلى ملفّها تقارير الأطبّاء الذين يتابعون حالة ابنتها والذين نصحوا بوضوح بعدم ترحيلها، خاصّة بعد أن شهدت حالتها تحسّناً ملحوظاً إثر استعادتها للإحساس بالاستقرار، واختلاطها مع أصدقاء في المدرسة التي تسجّلت فيها في آب/أغسطس الماضي.

جاء الرفض الأوّل، ثمّ الثاني، ثمّ الأخير، بعدما ردّت سلطات الهجرة السويديّة (Migrationsverk) طلب هند تجديد أوراقها، متمسّكةً بوجوب ترحيلها ومكرّرةً قرارها بوجوب ذهاب هند مع ابنتها إلى الجمهوريّة التشيكيّة، بحجّة أنّ التأشيرة التي دخلت بها هند إلى السويد كانت قد حصلت عليها من الجمهوريّة التشيكيّة في العام 2017.

طغى هذا المبرّر القانوني والتقني الصرف، المُستند إلى اتفاقيّة دبلن الراعية لحركة اللّجوء بين الدول الأوروبيّة الموقِّعة عليها، على المبرّر الإنساني والحقوقيّ الذي يجعل من هند وابنتها مستحقّتَين للحماية في السويد، البلد الذي لجأتا إليه بعد تعرّضهما لتهديدات خطرة خلال إقامتهما في تركيا على خلفيّة انتقاد هند العلني والجريء لمواقف برلمانيّين وشيوخ يمنيّين برّروا اغتصاب طفلات، وحمّلوا الفتيات مسؤوليّة ما يتعرّضن له، وقرّروا فرض الحجاب على النساء، باستثناء “دميمات الخلقة”، أي “القبيحات”، من بينهنّ.

ففي العام 2017، أفتى البرلماني اليمني القيادي في حزب الإصلاح الشيخ عبدالله أحمد علي العديني، في منشور له على فيسبوك تعليقاً على حادثة اغتصاب طفلة في تعز، أنّ “ملابس الصغيرات بوّابة الاغتصابات”، ما استدعى ردّاً من هند المعروفة بدفاعها عن حقوق النساء والحائزة على جائزة المرأة العربيّة للعام 2017، طالبت فيه، ومن دون أيّ مراوغة، بمحاسبة هذا الشخص على تصريحه العنيف والمقيت، قائلةً: “هذا مكانه السجن في الدول التي تقدّر الإنسان! المفترض بأهل تعز أن يمسكوه ويحبسوه لأن هذا تحريض على اغتصاب الأطفال”.

كلّف هذا الردّ هند الكثير، وهي اليوم لا تزال تدفع ثمنه من حريّتها وحقّها في العيش مع ابنتها بأمان وسلام لن تستطيع هند من دونهما متابعة حياتها ونشاطها الحقوقي والصحافي. والأكثر إيلاماً من ذلك، الثمن الذي تدفعه ابنتها البالغة 16 عاماً من العمر من صحّتها النفسيّة والمعنويّة، وحقوقها كطفلة لاجئة هاربة من تهديدات تطال أمنها وحياتها، ورؤية هند لها وهي تعاني من جرّاء الإرهاب النفسي الذي مورس عليهما من قبل المهدِّدين اليمنيّين، وللأسف، من قبل سلطات الهجرة السويديّة أيضاً، وحالة القلق واللااستقرار التي باتت القاعدة العامّة التي تحكم يوميّاتهما.

لم يكن ردّ هند على العديني الوحيد الذي كلّفها المصائب التي انهالت عليها، فقد كان لها ردّ آخر استخدمه المهدّدون الشرسون كذريعة للاستمرار في مضايقتها، وذهبوا إلى حدّ إفهامها أنّهم يعرفون مكان دراسة ابنتها، ممّا دفعها إلى المغادرة فوراً إلى السويد بحثاً عن الأمان وحفاظاً على حياة ابنتها.

مطلع هذا العام، قرّر الشيخ اليمني عبد الوهاب الحميقاني السلفي المقيم في السعوديّة، أنّ “عجائز النساء ومثلهنّ دميمات الخلقة لا يلزمهنّ من أحكام الحجاب ما يلزم بقيّة النساء”. لا يتطلّب تصريح كهذا إجهاداً نفسيّاً لاستثارة ردّ منطقيّ على من تسول له نفسه تصنيف النساء ضمن شريحتين، الدميمات وغير الدميمات -وفقاً لذوقه الخاص وخياله الجامح- وعلى من ينصّب نفسه مسؤولاً عن خيارات النساء لجهة الملبس أو المظهر.

ردّ هند على تصريح الحميقاني كان ببساطة صورة لها مع تعليق مقتضب: “أنا دميمة وأفتخر، وأتمنى منه أن يتابع خطبي للجمعة، فهي أكثر فائدة وتتحدّث عن هموم الناس وليس عن شعيرات الرأس”.

 

 

لم تكترث هند في بادئ الأمر للتهديدات التي كانت تصلها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا للتعليقات التلفزيونيّة التي خُصّصت لقذفها والمنظّمات الحقوقيّة عموماً بالاتّهامات الجاهزة والمعتادة المرتبطة بخدمتها لأجندة خارجيّة وترويجها لمصالح غربيّة وأفكار معادية للإسلام. حتّى الحوثيّون، الخصم اللّدود للشيخ الحميقاني، اتّفقوا مع هذا الأخير، عبر حلقات خاصّة على التلفزيون اليمني الرسمي، على الوقوف عقبة أمام إحراز أي تقدّم في مجال تعزيز الحقوق الإنسانيّة للنساء، والتسبّب بمفاقمة الهجمة على هند.

بعد الحلقة التلفزيونيّة الأولى، تلقّت هند اتّصالات التهديد؛ ومن ثمّ وجدت هذه الاتّصالات طريقها إلى هاتف ابتنها التي تؤكّد هند أنّها لا تأتي على ذكرها أو نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي. تروي هند لـ”درج” كيف أنّها “صرخت” حين علمت بالأمر، ممّا أثار الذعر في نفس صغيرتها، التي “كانت فتاةً تحبّ الحياة”. حينها، أوّل ما فكّرت به هند كان الذهاب إلى السويد لملاقاة أمّها وشقيقتها، وهذا ما حدث في أيلول/سبتمبر 2017.

في الفترة الأخيرة، اشتدّت الأمور على هند وابنتها، وبات الوضع لا يُطاق.

تخبر هند “درج” كيف هدّدوها في مركز الهجرة بالشرطة، أمام ابنتها التي كانت تبكي؛ هي التي ظنّت أنّ تعاونها معهم وإشهارها عنوان سكنها سوف يؤدّيان إلى حلّ مشكلتها… ولكن لا. “فهذا هو السيستم”.

هذا هو “السيستم” التي اعتقدت هند أنّه “من المستحيل أن نتعرّض بسببه في السويد إلى ظلم”.

هذا هو “السيستم” الذي من المستحيل أن يُشعرها بما شعرت به خلال الأشهر الستّة الماضية.

“كل يوم أنا خائفة. خائفة من أن تأتي الشرطة. كأنني مجرمة، بكلّ ما للكلمة من معنى. رعب، رعب، رعب. أخاف من صوت صفّارات البوليس. لم أعد أشعر بأمان”.

ما حدث لهند وابنتها يحتّم على الدولة الإسكندينافيّة التي لجأتا إليها لكونها رائدة في المجال الحقوقيّ، ولتنضمّا إلى والدة هند وشقيقتها المقيمتَين هناك، إعادة النظر في تعاملها الصارم مع مسائل الهجرة واللّجوء بناءً على اتفاقيات حديثة تصعّب حركة انتقال اللاجئين، وتقييم مدى انسجامها مع مبادئ حماية النساء المدافعات عن حقوق الإنسان.

في الأيّام القليلة الماضية، تحرّكت منظّمات دولية -كهيئة الأمم المتّحدة للمرأة- وناشطون حقوقيّون، وصحافيّون، وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي الذين استخدموا هاشتاغ #HindNotANumber (هند ليست عدداً)، دعماً لقضيّة هند. بعثت منظّمة “مراسلون بلا حدود” برسالة رسميّة إلى الحكومة السويديّة تدعوها فيها إلى منح هند صفة لاجئة، مذكّرةً بحجم المخاطر التي قد تتعرّض لها في حال تمّ ترحيلها مع ابنتها.

فهل ستستمع الحكومة السويدية إلى هذه النداءات و”تجتهد”، من داخل اتفاقيّة دبلن وخارجها، لحماية مَن تشعر اليوم بأنّ “السيستم” خذلها؟ أم أنّها ستتمسّك بحذافير قرارها وتستعمل شرطتها ضدّ من لجأ إليها؟

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات