طه الجند بصورة ينكر صلته بها !! - ‏محمد عبد الوهاب الشيباني‏
الاثنين 19 نوفمبر 2018 الساعة 09:56
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


 

بعينين مختلفين واحساس عفوي غير متصنع يرى الاشياء ويكتب عنها كلاما بسيطا، يظن قارئه ان باستطاعة اي من كان كتابته، لكنه عند صعلوك متمرد ومتمرس مثل طه يصير شعرا مختلفا ، تضطره التأطيرات الفنية ان يبوبه في قصائد لها عناوينها التي تصير مفاتيح وعتبات قراءة ،هي لا تعنيه في الاصل، وغير منشغل بها فحين يكتب مثلا:
 

صاحب العربية في الشارع
يواجه الريح والمطر
بمظلة واحدة.

 

سنظنه كلاماً عادياً في فعل القراءة العابر ، غير ان شعريته تكمن في التقاط اللحظة نفسها ، واسناد وظيفة جديدة للمظلة التي هي مواجهة الريح ، بمعية صاحب العربية الفقير.
قصائد بسيطة حد الامساك بها طرية ،عميقة حتى الدهشة التي تأخذنا الى ابصار انفسنا في مرآتها. قصائد تجهد متابعها في اعادة موضعتها في سياقات تعريف الشعر التي دأب عليها النقد واصحابه.

 

النفر السلتة
الشاي في المقهى
القطل البلدي
أحلام اليقظة
إشادات البعض
شتائم مرتدة 
الحانة
لا يوجد حانات
نشرب في الطرقات
نتمايل لنغيظ الثقلاء.

 

قصائد تشتَّمُ فيها المكان ، وتُبصر فيها الوجوه وتصافح فيها انهداماتك بكل طمأنينة. قصائد توثق ليومك وانت محتشد في الناس ومقطّر في تعبهم باختصار: 
 

من يذهب إلى جولة تعز
ويقف مع العمال المنتظرين
منذ ستينات القرف الماضي.؟

قصائد تتقطر فيها احلام الفقراء نقية ،في حياة صارت تؤرخ ايامها ضغائن القتلة وبارودهم :
 

من يدلني على ظل
أتأمل وأصمت
لا أريد الحضور
ولا الإشادات
أريد أن أكمل حياتي كأب
تهتم الزوجة بي في المرض
ويلتف الأبناء حولي
عندما أموت.

بحكم مزاملتي لطه لأكثر عقدين قرات كل ما اصدره في دواوين ، وفي كل ديوان كانت هذه التجربة تكبر وتستطيل وتحفر قي شخصية صاحبها الذي صار مكتفيا في ذاته، فمن بين عشرات القصائد المتشابهة لعشرات الشعراء يمكن تعرف طه كم اول سطرين. فهو لا يتفذلك ولا يتصنع، وحين يحاول تحت تأثيرات عابرة تخرج منه قصائد لا تشبهه على الاطلاق.
 

في ديوانه الجديد (البيت الهادئ يدعوا للقلق) الذي صدر في مثل هذا الظرف واخترت منها ما ورد في السياق ، هو وجه اخر لمقاومة الشاعر لفعل الموت، الذي يتربص بنا في كل منعطف.
تحية لهذا الصعلوك الجميل الذي نتمنى ان يجد من السفلة من يليق بشتائمه المبجلة :

 

الشتائم متوفرة
لكن السفلة ليسوا
في مستواها

 

ونريد للمنتصر في الحرب ساق خشبية وللمهزومين تل من حكايات الدم ولا نريد:
 

للمنتصر حكايات كثيرة
وللمهزوم ساق خشبية ... 
كما يتشهى لأنه في الاصل مع المهزومين، الذين سيعيد ترتيب حكاياتهم بالشعر:

 

أنا دائماً مع المهزومين
من يريد أن أصطف معه
عليه أن ينهزم أولاً.

الصورة الرسمية جدا لطه هي احدى فلتات الوقت ولا اظنه سيعترف أنها تعود إليه والتقطتها برغبة منه في صباح بارد بمركز الدراسات قبل عقد من الزمن المفقود.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات