إنسان وبقايا الزولو - خالد الضبيبي
السبت 17 اكتوبر 2020 الساعة 07:06
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة

 


يقدم لنا الكاتب الشاب بسام جوهر الذي يُعّرف نفسه بأنه مُترجم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس ، والحائز على جائزة ناجي نعمان الأدبية  للإستحقاق في مجال الترجمة الأدبية للعام 2014. المركز الثاني - على مستوى الوطن العربي والعالم ..
 إصداره الأول وهو "إنسان وبقايا الزولو - ترجمة لمجموعة  قصائد لشعراء من جنوب أفريقيا - من إصدارات مؤسسة أروقة للترجمات والدراسات والنشر .
ويقع العمل في حوالي سبع ومائة صفحة ويحتوي على لوحة غلاف للرسّامة الجنوب أفريقية مارتيجي هنينج ..
وهو إذ يقدم لنا هذه الانطولوجيا يحاول محاولة جادّة لرمي حجره في النهر في مجال الترجمة الأدبية في اليمن والوطن العربي ، ويعمد من خلالها إلى المشاركة الجديّة في تزاوج الثقافات، من خلال نقل ثقافة إلى ثقافة أخرى للمساعدة في اثراء المحتوى العربي بأفكار من خارج الثقافة العربية ..
إن الاشتغال في مجال الترجمة عمل عظيم يقدم اثراء للمحتوى العام ويقدم خدمة جليلة كان للغة والثقافة القادم منها أو الثقافة الداخل إليها وهو لم يكن الأول ولن يكون الأخير في هذا المجال فقد عرفت الترجمة الأدبية شخصيات وهبت مُضيّها الإبداعي لهذا المجال نذكر : منهم سامي عنان و صالح علماني الذي اهتم بترجمة الثقافة اللاتينية ورفد المكتبة العربية بروائع الادب اللاتيني ، و أنيس عبيد وأبو بكر يوسف و سامي الدروبي الذي ترجم ل ديسكوفسكي ، وأحمد الصعمي ، وسهيل إدريس الذي ترجم من الفرنسية والذي أهتم بكتابات الوجودية لسارتر  والبير كامو وعلي مصباح الذي من أهم أعماله كتب فريديك نتشية وغيرهم الكثير جداً .  
بالنسبة للترجمة اليمنية ؛ الموضوع مايزال خارج الخارطة ، فالترجمة اليمنية تعاني من جفافٍ وغياب شبه كُلٌي رغم حضورها في بعض الفترات في الصحافة والترجمة التجارية ، إلى أنها ما تتقدم خطوة إلا وتعود خطوات إلى الخلف والسبب أولا غياب المؤسسة الرسمية التي تساعد المبدع وثانيا إشكالات في الصنعة والخبرة والقدرة على الترجمة ، وعدم وجود مراكز تأهيل .
 فهذا الدكتور فارس السقاف رئيس الهيئة العامة للكتاب في عام 2007 يقول أن عدد الكتب المترجمة في الهيئة منذ تأسيسها و حتى عام 2007  يبلغ عددها ستة كتب أجنبية مترجمة إلى اللغة العربية للمترجم عبد الوهاب المقالح ، وكتاب مُترجم واحد لفوزية شمسان ، أما الكتب العربية المترجمة الى الأجنبية فيوجد كتاب أو بحث واحد فقط
وهو " هولدي قرأن " باستثناء الكتب المترجمة خارج المؤسسة الرسمية .
لن يكون الاشتغال كثير جدا حتى اليوم رغم وجود بعض المترجمين المهتمين لهذه الصنعة الإبداعية وقد نرصد من جيل الألفين الشباب القليل جداً من شاركوا بهذه الصنعة وبتمويل واشتغال شخصي منهم :  رياض حمادي الذي له بعض الكتب المشاركه بها والخاصة منها يراعات طاغور .
إذًا فالمؤلف يقدم مادة جديدة للمكتبة اليمنية والعربية وهذا ما يدعونا للاحتفاء بهذه التجربة الإبداعية التجريبية التي  يخوضها المترجم ..
فيما يخّص مُحتوى كتاب الإنسان وبقايا الزولو فقد قدم المترجم عملاً إبداعياً جديدا للمكتبة العربية لُيّعرف القارئ العربي بثقافة جديدة .
ويرتكز هذا الاشتغال على عشرين نص لعشرين شاعر وشاعرة  من جنوب أفريقيا منهم من تخّصص في الشعر ومنهم من كان له باع طويل في النضال في بلده ومنهم من يكتب أكثر من جنس إبداعي مثل الشعر والرواية والقصة.
 وقد قام المترجم بدمج كل هؤلاء في انطولوجيا واحدة حاول الاعتماد فيها على رؤية أوليّة لهذا المؤلف ، وهي الموضوعات التي حددها والتي تعني بالإنسانية بالدرجة الاولى إذ تعمد نقل صورة إنسانية عن جنوب افريقيا ، وقد ربط رؤيته بالنضال الأفريقي من خلال شخصيات مؤثرة تمتد من بداية القرن العشرين حتى القرن الواحد والعشرين .
 ورغم أنه حاول بقدر الإمكان السعي نحو تجميع موضوعات تعني بالانسان والكفاح والنضال فقد استعان منذ العتبة الاولى بإشارة محددة وهي " لغة الزولو " التي دون بها الجنوب أفريقي ثقافته ومارسها لتخليد رؤاه ، إلى جانب موضوع المرأة والتي ظهرت جليّة وبارزة من خلال الغلاف الذي قدّم لوحة من عمل فنانة افريقية ، و الى جانب العنوان نجد المؤلف يعمد خلط الجنس بين الرجل والمرأة وهي وجهة نظر ورؤية حاول من خلالها المترجم نقلها محاولة منه تحديد دور المرأة في النضال والثقافة الجنوب أفريقية.
 أما محتوى النصوص فقد كانت جميعها بدون استثناء تعبر عن حالة من التوائمة الرئوية مع الإنسانية والدفع بالحياة إلى الأمام ، ولا نرى في النصوص أيّ عنصرية ، حتى تلك النصوص التي أشارت للون لم تكن سوى إشارة إلى تخليق فكرة السلام والتعايش بين طبقات المجتمع الجنوب أفريقي الأبيض والأسود  ، وهو إذ يشير في مقدمته إلى صعوبة الترجمة من لغة أخرى غير الزولو الإنكليزية والتي ترجم عبرها النصوص.
 يحاول الإشارة إلى تذويت المجتمعات من قبل الإستعمار الذي عمد إلى سلب المجتمع لغته الخاصة وفرض لغة مختلفة في خطوة منه لفرض ذاتية خاصة به تجعل من المجتمع الجديد المستعمر مجرد تابع يمارس ذاتية جديدة مفروضة عليه ،
 إذا فهذا المؤلف يحاول تقعيد الذاتيه الخاصة للمجتمع الجنوب أفريقي بإعادته للغة الزولو اللغة التي عمد الاستعمار الى إخفاء ملامحها ، والذي سعى الشاعر الأفريقي التمسك بها كهويّة جذريّة ينطلق منها لإعادة ذاته الأم ، وقد برزت في المؤلف من خلال العنوان والرموز الكتابية ، إن الموضوعات التي غاص بها المترجم تتعدد ونذكر منها هنا بعض الأمثلة مثل 

 

موطني إلى مانديلا
للشاعرة زينزي مانديلا 

والذي تتحدث من خلاله الشاعرة عن الوطن الأب ، منأجاة إبنة مكلومة لوالدها التي تعتبره الوطن ، محاكاة لغربة وطن استمرت سبعة وعشرون عاما في السجن ، عاطفة جبّاشة ومشاعر فيّاضة . وهي إذ تحدد الأب تحاول ترك إشارة لنضال طويل لرجل مثل نيلسون مانديلا  تعني النضال الممتد والكفاح الطويل والفقد للحرية .
رحيل الإنسان 
الشاعر ممكسوليسي نيزوا

يتحدث الشاعر عن غربة وطن يستشعرها في سيكو الذي يبعث اليه النص ، الغربة التي تُلقي بالوطن في دهاليز سحيقة من الشتات ، استعارات يرسمها من البعيد تعبر عن حنين للوطن وغربة يراها الشاعر تيّه في عواصم أوروبية يرمز اليها كالموت البطيئ .
أحيانا حين تمطر 
للشاعرة جينا ملوف
ذكريات الوطن تعبر عنها الشاعرة بنص يتماهى مع الرومنسية ، المطر ولحظات التذكر الواعي الذي تمارسه الذاكرة في فترة لاحقة لتعيد رسم خطوط أفقية للماضي المحفور في ذاكرتها ، وهي إذ تتحدث بشغف ورغبة لاستعادة تلك اللحظات ، تشعر بالحنين ، 
انسلوجيا الماضي الذي يحضر بشكل نص كي يكون خريطة لاحقة لذكريات لا يمحوها الزمن ، والمطر هو الة الزمن التي تعبرها الشاعرة في رحيلها إلى ماضي يحظر فيه الطفولة والمدرسة والماء والنهر والمهاجرين والسجناء لتنهي الشاعرة نصّها بابتسامة أمل حاضرة في روحها وامل ان تصبح هذه الابتسامة عامة.

إلى كل الصرخات والضحايا
الشاعرة: انتيج كروج

نص يعبر عن الإمتنان لكل التضحيات التي قضاها أناس نالوا الوجع والقتل والموت في سعيهم الحثيث نحو الحرية ، مشاعر جيّاشة تحيكها لنا الشاعرة والتي ما تزال في روحها لكل اولائك الذين قضوا نحبهم ، حكايا مغروزه في روحها كسهم يصعب انتزاعه ، تختم من خلاله الشاعرة نصها بطلب المغفرة والصفح من كل الذين اخطأت في حقهم أو فشلت في مساعدتهم.
كلمات 
للشاعر ؛ كايزر نياتسومبا
يوجه الشاعر نصّه للإنسانية التي لا ترى والتي تمارس العمى عن بشر يبدون كخرافٍ تائهة بمفردهم، وها هو يقول ألتفت لهم ، خاطبهم ، أنظر الى أوجاعهم و أحلامهم أيّها العالم ، فهؤلاء بشر يستحقون الحياة ، اخترهم كما هم ، اعطهم فسحة كي يستطيعون تعليمك الزقزقة والغناء بطريقتهم ..
إلى جانب بقية الموضوعات التي تختلف بالاسقاط ولكنها تتفق بالاشارة إلى النضال والثقافة واللغة و الحريّة والسلام والتعايش .
أخيرا نقدم التهاني للمُترجم الشاب على هذا الاشتغال التجريبي الجميل والذي يفتح الباب أمام الترجمة اليمنية والعربية لتجربة هذا الاسلوب ونتمنى له التوفيق الدائم ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات