جالا.. في رواية كهشاشة الكائن - محمد الغربي عمران
الثلاثاء 23 مارس 2021 الساعة 10:04
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


الرواية فن الحكي.. وأجزم بأن جميع البشر حكاؤون.. فلكل طريقته في ايصال ما يراه وما يفكر به.. لكنها الطريقة او الكيف التي تختلف من شخص لآخر.. ثم الإتيان بما جديد ومبتكر.. من اختيار الفكرة إلى كيفية سردها.
شادن.. رواية من 160 صفحة.. قسمت إلى ما يقارب الثلاثين فصل.. صادرة بداية2021 في صنعاء.. وهي باكورة الأديبة جالا محمد. وقد تعود القارئ أن يتوقع البدايات مصحوبة بهناتها.. لكننا هنا أمام عمل مكتمل.. ففيه سيرة المجتمع اليمني.. من خلال قتال شعب واحد.. قادته شلل مفلسة من القيم الوطنية والأخلاق الإنسانية.. كل يرفع شعار الوحدة.. والكل يقبض من الخارجي.. والكل ينهب ويخدع ويكذب على الشعب.
المناطق الوسطى مصطلح لنطاق جغرافي يمتد من ذمار إلى اب والضالع والبيضاء..  في هذا النطاق دارت مواجهات  عنيفة .. أمتد أثرها ليشمل اليمن جنوبه وشماله. مدمرة على الإنسان اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفكريا.
جالا محمد عالجت تلك الأثار الكارثية من خلال شخصيات روايتها بداية بشادن الساردة .. مرورا بشخصيات اخرى منها: نجاة.. يزن.. فازع.. ليلى.. يونس.. بابو.. خنساء.. حمزة.. زينب.. صهيب.. ناجي.. هاجر.. هادي.. واسماء اخرى. زرعتها بداية من مجتمع ريفي.. تقدم القبيلة إحدى بناتها "شادن" كأضحية لإنهاء خلاف مع قبيلة أخرى.  قد يبدو الأمر غريب أن تقدم قبيلة إحدى بناتها في القرن العشرين.. لكن الكاتب هنا استطاعت أن تمنطق الفعل لتتحول شادن إلى ايقونه ومحرك لتطور أحداث العمل حتى النهاية.. حيث شبت في كنف والديها الجدد الذي لا تعرف في الوقت نفسه أنهما ليسا والديها. ليتطور الأمر إلى أن تغادر تحت ظروف قاهرة قريتها إلى عدن ومن هناك تتنامى الأحداث وتتطور حتى النهاية.
لا يمكن أن نتحدث عن هذه الرواية دون أن نعرج على المكان الذي أمتد بداية من قرية نائية.. بكل تناقضات عاداتها وبكل ما تحتويه من قيم وعادات.. وذلك المكان المسمى "تبة النار" وما تختزنه مغارته من معرفة يهاب جميع السكان الاقتراب منه عدى شادن التي تقتحمه وتنهل من مخزون تلك المغارة.
ثم النطاق التي دارت فيها المعارك.. وما تركته من تدمير.. من قبل قوات المقاومة وعسكر السلطة.. الكل لا يهمه المواطن بقد ما يسعى لتحقيق النصر وإن أبادوا كل السكان.
ثم هاهي شادن ترحل إلى عدن.. وما تمثله عدن ماضيا وحاضرا.. ذلك التمازج الإنساني البديع.. من خلال مدرسة تضم بين جدرانها كل أطياف المجتمع متخطية الدين والمناطقية.. في رمزية إنسانية سامية.
لتنتقل بنا الكاتبة من عدن إلى تعز.. حيث تنتقل شادن وزميلاتها.. هناك في أعالي الجبال "الحجرية" وعاصمتها التربة. لتجعل منها تبة نار أخرى من خلال تلك مكتبة مهدي وما تحتويه.. وكائنها نسخة أخرى لكائن مغارة تبة النار.
هنا تشابه وأتمنى أن تكون الكاتبة قد تعمدته بين تبة النار والتربة.. بين مغارة الكتب ومكتبة مهدي.. بين صاحب المكتبة وساكن مغارة تبة النار.. أيضا تاشبه بين يزن الراعي وفائز موظف المكتبة.
اذا كانت الحرب وأثرها على المجتمع هي محور الرواية الرئيسي.. فان عدة ثيمات أخرى قد عالجتها الرواية.. منها الدعوة للتعايش بسلام بعيدا عن دعوات أتباع الأديان ضد بعضهم.. دعوة إنسانية من خلالا ذلك المنبى الذي ضم أطياف متعددة من الفتيات.. فها قصدت ا، الدين معضلة.. من خلاله يعمل المتسلطون والطواغيت على بذر  ثقافة لا انسانية.. محورها الكراهية للسيطرة على الشعوب..
هل الرواية سيرة لشادن.. ام سيرة الحرب.. ام سيرة وطن.. ام أنها سيرة لكل ذلك في تخييل فنتازي.. زاوجت الكاتبة بين الواقع والمتخيل باتقان نقلات بديعة وسريعة بين الأزمنة.. يحسب ذلك لجالا.
ان كان هذا هو العمل الأول لكاتبة في بداية العشرينات.. فماذا ستكتب بعد هذا العمل.. وكيف سنجد أعمالها القادمة بعد أن تتجاوز الثلاثين والأربعين.. أجزم أننا أمام كاتبة موهوبة.. متمكنة من أدواتها.. من لغة سردها.. مستوعبة لفنون الكتابة.. وتلك الألاعيب التي تنسجها للإيقاع بقارئها في عالم الدهشة والتساؤلات الباحثة عن أجوبة..
لم تحصر الكاتبة الزمن في عملها هذا في سنوات محدودة.. بل ذهبت من بداية الثمانينات.. ثم التسعينات.. وإلى مشارف الألفية الجديدة.. راصدة لأحداث هامة في تاريخ الوطن.. من أحدث 86 الدامية في عدن.. الى حرب الشمال والجنوب.. إلى تحقيق الوحدة.. وما تلاها من اقتتال.. لا يزال يجر نفسه إلى اليوم.. والكل أدوات لمن يدفع ويأمر من الخارج.
ويحسب للكاتبة تجردها.. وعدم تبني أي فكر من أفكار تلك الأطراف المتصارعة.. لا سياسيا ولا دينيا أو اجتماعي.. وكأنها تنقل ما يدور على بساط الحقيقة.. بينما نجحت في نسج تلك العلاقات المتضادة .. وتلك المفارقات المبكية المضحكة.. ابتداء بحياة الريف البسيطة.. مرورا بتعقيدات المدينة.. ونهاية بحاية مجتمع بين الريف والمدينة المتمثل بالحجرية.
تأتي النهاية غير ما يتوقعها القارئ.. نهاية الهجرة والرحيل.. وما تحمله من دلالات موت الأمل.. وهذه ليست نهاية مرجوة.. وإن كان الواقع يقودنا إليها.. واقع من حولوا الوطن مرتعا لرغباتهم.. وبذلك يديرون حروب بالوكالة والضحية الشعب.
الكاتبة اجادت حبك أحداث روايتها.. في مسارات غير متوقعة.. ما يضع القارئ في دهشة مستمرة.. من أسلوب يبعث على الإعجاب لهذا القدرات.. في عمل جمعت فيه أزمنة متعددة وشخصيات كثيرة.. كما هو المكان موزع على مثلث بثلاث زوايا أضلاعه تزيد وتنقص أطوالها.
ما يزيد القارئ إعجابا إيراد تلك العتبات.. بداية بعتبات النص الكبير"الرواية" مرورا بعتبات الأقسام التي قاربت الثلاثين قسما.. وقد بدأت كل قسم بعبارة باذخة اللغة.. وذات دلالات عميقة.
هي تحية لعمل أتمنى لها الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من القراء داخل اليمن وخارجه...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات