وكأني بها امرأة لا تخشى الحب - ياسمين الانجري
السبت 19 يونيو 2021 الساعة 12:53
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


"يفتنني الأدب كذلك برواياته وأشعاره.أحيا في كنف تجاربه الخيالية أجمل اللحظات و أبهاها،و كأنها جزء من حياتي ،أتماهى مع الشخصيات،أسقط أحداثها الحزينة على حياتي، إنها تطلق عنان الحلم و الخيال في نفسي ،فأشعر بعد الانتهاء من قراءتها بأنني أفضل.أستعذب كذلك أسلوب الكتابة ،فتبهرني قدرة الكتاب على استحداث تعابير جديدة و عميقة،تعبر بالضبط عن الأحاسيس التي تنتابني ...أشعر و كأن الكاتب يعبر عني،أو يعبر بلساني،فيختلج قلبي لذلك." 
امرأة تخشى الحب، كيف يمكن لمؤلف ذو الصفحات
القليلة أن يفجر في أعماق الذات ،هذا الكم الهائل من التساؤلات التي تقلب نظرة المرء للحياة رأسا على عقب؟ و كيف يمكن ألا نرى انعكاس شخصيتنا بمخاوفها و ميولاتها و مواقفها في عيني بطلة الرواية، مريا،التي تعتني ببيتهاو بأبنائها أو بالأحرى؛ إخوتها، أحسن عناية ،محولة تعويضهم عن حنان الأبوين اللذين غادرا عالم الأحياء،تلك المرأة البهية التي جعلت من الرتابة و الواقعية ملجأ آمنا لها، تلك المرأة التي كانت أحلامها قبل الزواج بشساعة البحر و المحيطات ،فقد كانت تعتبر العالم هدية تستمتع بها كما تشاء، إلى أن تضاءلت حتى أضحت عصية عن التعبير عن نفسها ،لكنها على الرغم من ذلك لم تخضع لدوامة الحزن ،بل حاولت جاهدة أن تكتفي بخلق سعادة مما كان متوفرا لديها ، خاضعة للقدر فتمادى بها الأمر حتى أصبحت تسخر منه ،مبتسمة في وجهه.
فبتعقلها هذا ظنت أنها معصومة من الانزلاق نحو أغوار المجهول المريب، إلى أن التقت بمجهول لم يبقى كذلك مطولا ،جعلها تؤمن بأن تحولا ما سيطال حياتها ،حتى و إن تصرفت عكس ذلك،رجلا عفويا،يمتلك قدرا من الصدق في تصرفاته ،و يظهر ذلك في حركاته و طريقة نطقه للكلمات،فهل استطاع هاوي المسرح التجريبي المخرج شفيق حسني، أن يعكس عنوان الرواية، فتصبح بذلك مريا امرأة لا تخشى الحب؟ امرأة تحاول جاهدة وضع خط فاصل بين ماضيها و حاضرها كي يكون مستقبلها،أو بالأحرى ،مستقبلهما أجمل؟ 
إذ أن طلاقها من زوجها السابق لم يكن أمرا سهلا،فغدى بالنسبة لها شبحا مرعبا يتسيد حياتها جاعلا كل علاقة مفترضة تبدو لها مهددة بالطلاق ،خاصة في مجتمع لا يرحم ،يجعل من المطلقة ضحية تتقلب بين براثن الكابوس الحادة، فيمزقها إربا إربا.حتى أصبح الوقوع في الحب كارثة،ينبغي اجتناب وقوعها بإبعاد النفس عن ظروف حدوثها. فكلما فكرت عكس ذلك، أعادها تعقلها من عالم الأوهام فيلغي كل مشاعرها و مشاريعها الخيالية.
لكن كما يقال" الصدفة تسير أحيانا بتوقيت القلوب" ،فلقاءها للمرة الأولى بالمخرج في إطار أحد أعماله المبهرة جعل ذهنها يشرد في التفكير فيما ظنته محسوما مند زمن طويل، فكيف يمكن لمحادثة واحدة أن تعيد فتح أبواب قلب مغلق بإحكام ألقيت مفاتحه بعيدا حتى لا تحن النفس لفتحها من جديد؟
و كيف يمكن الوثوق في رجل من أهل الفن الذين يتجنبون أي التزام من أي نوع ،و لا يتقيدون بالقواعد المتعارف عليها في المجتمع ؟
و هل الخوف من الحب سهل العلاج في حالة مريا؟ شخصيا أرى أن الإجابة ستظل "لا" ،فكل خوف له دوافعه، و طرق خاصة للتعامل مع حدته، قد تخفف منها فتجعل الإنسان يتخلص من أفكاره السوداوية أو على عكس ذلك، فإنها تعزز حاجته إلى العودة لأحلامه المريحة المنمنمة بأحلام و تمنيات عاقلة و متزنة، تعرف حدودها و لا تتجاوزها أبدا ،أحلام لا يميل إلى التخلي عنها.
و قد اتبعت بطلة الرواية أحد هذين الطريقتين رغم صعوبة تعيين القرار الأنسب،الخطة الأنسب التي ستسير عليها بقية أيامها.
و قد تطرق الكاتب المغربي مصطفى لغتيري من خلال روايته الرائعة لمجموعة من القضايا و المواضيع التي تصب في ميادين عدة كعلم النفس: حين ذكر تركيز هذا الأخير على الأحلام لفهم شخصية الإنسان و لحل بعض العقد النفسية بفضل تفسيرها ،حيت اعتبرها فرويد الطريق الأمثل لفهم مكبوتات اللاشعور.كما ذكر كون الأمكنة تؤتر في شخصية الإنسان،و كلما كان المرء في مكان اعتاد ارتياده استطاع أن يتحكم في نفسه و يظهر جانبا محددا من شخصيته ،ذلك الجانب الذي يرغب في إبرازه للآخرين،لكن تغير الأمكنة قد يصيبه بالإرباك، فتظهر بالرغم عنه شخصيته الحقيقية و إن تعمد إخفاءها. إلى جانب المجال العلمي من خلال عرض الفكرة القائلة أن كل ما هو موجود في الكتلة الرمادية داخل علبة الجمجمة؛ أي الحب،ليس مجرد إحساس يبعثه في أنفسنا الطرف الآخر،بل هو استعداد فطري و فيزيولوجي يختلف من شخص لآخر.
و ميادين أخرى عديدة و متنوعة كالمسرح و السينما و الفن التشكيلي ...
و الآن لم يتبقى لي سوى أن أختم كلامي مستعيرة قلم بطلتنا و كلماتها التي لم تفارق ذهني منذ أن شرعت بالكتابة، فمنذ زمن بعيد و حلم الكتابة يداعب وجداني،و في كل مرة كنت أؤجل الأمر،كنت أخشى الفشل ،أعتقد أنني غير قادرة على ذلك ،لكن التجارب القوية تفجر شيئا ما في دواخل الإنسان.سأكتب على الأقل ما عشته.و هذا ما تبادر إلى ذهن مريا حين علمت أنها امرأة غير موفقة في الحب،فقررت أن تكتب قصة قد تسميها-و أسمتها- "امرأة تخشى الحب " ثم بدأت الكتابة بجملة استفهامية:" هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء؟" 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات