الشحاذ - صالح بحرق
الثلاثاء 3 أغسطس 2021 الساعة 17:48
الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة


من عادة العجوز الستيني يسلم أن يصحب معه ابنه كلما خرج للتسول عند الجامع الكبير، وبالرغم من أنه قد جنى وابنه مبالغ طائلة من تلك المهنة فأصبحت لديه عمارتان مؤجرة إلا أنه لا يشعر بالسعادة البتة بل يشعر بالحزن والاكتئاب وعندما يكون في ذلك الكوخ مع ابنه فإنه يجد متعة فقط في عد النقود أما غير ذلك فيسيطر عليه الوجوم الذي تحول مع مرور الوقت إلى اكتئاب فظيع.
يجلس الان في ملابس رثة وكوفية متسخة وشال ممزق وحذاء مرقع، ونفس منكسرة يمد يده  المرتجفة ويشعر بارتياح ضئيل فقط من تلك الخدعة التي يمارسها لكنه عندما يخلو إلى نفسه يحس بنوع من الحزن يعصر قلبه ويقول في سره:
 كيف لرجل عجوز يسكن في كوخ وهو يملك عمارتين وكيف له أن ينام في الحر ويترك المكيفات؟
 ولكنه يشعر فيما بعد بشيء من اللذة الخفية إذا تذكر ارصدته في البنوك لينام على مضض من ذلك الوهم.
مضى ذلك اليوم بشكل مريح بالنسبة له وابنه الذي  يرتدي ملابس رثة ويكرر تلك العبارات التي يقولها والده وعينه على العاب الأطفال في المحل المقابل التي حرم منها في طفولته ويشعر أن ثمة أشياء تنقصه فهو لم يجرب الفرح والقفز والصراخ كالصغار، و كل مايعرفه هو جمع النقود وايرادها في جيوب والده حتى أدرك أنه خلق من أجل هذا:
  __ ابي لماذا نجمع النقود؟
  __ انها حياتنا ياابني اذكر أول مرة عندما طردني ذلك التاجر لاني لا املك نقودا؟
واذكر ذلك المالك اليشع الذي حرمني كسرة خبز فحرصت بعدهأ على جمع الثروة وقادني فكري إلى احتراف التسول.. لاتقلق ياولدي سأكتب العمارتين باسمك لاتقلق.
  __ ولكنني ياابي لست كبقية الاطفال اريد أن ألعب وانت  تحبسني
  __ دع الاطفال.. كن رجلا دون اوانك حتى تكون لنا عشر عمارات.
كان كثيرا ما  يكرر مثل هذا القول ليسمعه ابنه بيد أنه في قرارة نفسه يحس أنه يخدعه ويقوده الئ أن يكون مسخا منه .ولايمكن أن نقول أنه يعيش سعيدا فإنه في الليل في ذلكم الكوخ يبكي ويختلط حب المال لديه بحب الحياة، لذلك أصبح يرنو إلى الحرية ويتمنى أن يوزع هذه الأموال إلى الفقراء لكن الحرص الذي لديه يمنعه من تحقيق هذا الحلم ليكرر نفسه كل يوم لتمتد مساحة الاكتئاب وتطوقه من كل الجهات.
 ويجمع شتات نفسه وينهض ويتبعه ابنه يمشي تلك المشية المصطنعة ويتحدث ذلك الحديث المصطنع لكن كل ذلك لايغير شيئا من نفسه وظل الحزن والاكتئاب يدفع به إلى مزيد من الالم حتى لم يعد يفارق الكوخ

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

متعلقات